في بلد مثل العراق لن تكون الانتخابات نزيهة. هذا أمر مؤكد. لا لأن الشعب هناك لا يدرك معنى تداول السلطة ديمقراطيا حسب، بل وأيضا لأن ما هو معروض عليه من خيارات تجعله يائسا من إمكانية أن يُحدث صوته تغييرا في العملية السياسية بما يبعدها عن صراع الأحزاب الفاسدة على الغنائم.

لذلك فقد كان شراء الأصوات يتم بيسر.

بسبب اليأس لا يشعر العراقي بقيمة صوته. حقيقة لا يمكن تجاهلها في ظل تمكن قوى الإسلام السياسي من إدارة العملية الانتخابية بطريقة، يمكن من خلالها توقع نتائج الانتخابات اجرائها. لذلك يشعر العراقيون بأن ما يقومون به وهم يدلون بأصواتهم انما هو نوع من العبث.

فالعراق الذي يتربع على قمة لائحة الدول الفاسدة في العالم لا يمكنه أن يستبدل جلده عن طريق ديمقراطية تكمن خياراتها بين فاسد وآخر قد يكون أقل فسادا. وليس صعبا على الفاسدين بعد أن اطمئنوا إلى أن السلطة لن تخرج من قبضتهم أن يستبدلوا قناعا بآخر.

لقد صار جليا أن سوق الانتخابات في العراق لا يدخل إليها إلا الفاسدون أو مَن يسعون إلى أن يكونوا كذلك. ليس مهما في ذلك أن يكون المرء إسلاميا أو من دعاة قيام الدولة المدنية. فما من فرق بين الاثنين حين يتعلق الأمر بالامتيازات التي تتيح للنائب أن يكون مليونيرا بعد أربع سنوات من الخدمة المريحة.

ولأن الأحزاب الإسلامية لا تؤمن بالديمقراطية التي تعتبرها واحدة من اختراعات الغرب الكافر فإنها تتعامل معها باعتبارها مناسبة لمصادرة الأصوات التي تعرف أن لا معنى لها. ذلك لأن مَن تطلق عليهم تسمية العلمانيين هم في حقيقتهم مجموعة من المقامرين الذين يحاولون الوصول إلى مجلس النواب سعيا منهم لاقتناص فرص الربح الشخصي.

ليس هناك في العراق مشروع سياسي سوى المشروع الذي يطرحه الفاسدون. أما ما تُسمى بالقوى المدنية فهي إضافة الى تشرذمها واحتمائها بتيارات دينية فإنها لم تطرح مشروعا واضحا يحظى بشعبية لافتة.

قد تحصل تلك القوى على عدد محدود من الكراسي في مجلس النواب المقبل، غير أن ذلك العدد لن يؤهلها على احداث تغيير كانت ولا تزال تتحدث عنه بطرية غامضة.

وقد لا يكون مستبعدا أن ينضم ممثلو تلك القوى إلى حشود الفاسدين من خلال الاهتمام برعاية مصالحهم والحصول على امتيازات، تنتقل بهم إلى مصاف الأثرياء الجدد في وقت قياسي.

العراق الذي عصفت به كوارث لا حصر لها كشف شعبه عبر ثلاث دورات انتخابية سابقة عن عدم اكتراثه بمَن يمثله في مجلس النواب والدليل على ذلك هو ذلك العدد الهائل من الاميات والاميين الذين تصدروا المشهد التشريعي طوال اثنتي عشرة سنة وهو ما يجرد ذلك الشعب من شعوره بقيمة وأهمية صوته الانتخابي ما يشير إلى تدن واضح في الثقافة الديمقراطية.

فإذا كانت الأمور قد سارت في ذلك الاتجاه المنخفض على مستوى الوعي في الدورات الانتخابية السابقة فما الذي جرى الآن لكي نتوقع حدوث تغير في المزاج الانتخابي في الانتخابات المقبلة؟

لا أعتقد أن الفساد سيكون عاملا حاسما في تغيير ذلك المزاج.

رائحة الفساد سممت الحياة في العراق بعفونتها منذ لحظة الاحتلال الأولى. الفساد ليس جديدا في العراق بل إن عمل الأحزاب والكتل السياسية الحاكمة والمهيمنة على مجلس النواب كان منحصرا على تطبيعه وهو ما نجحت فيه إلى حد كبير.

كل هذه المعطيات تجعلني غير متفائل بما يمكن أن ينتج عن الانتخابات القادمة في العراق. ستتكرر المسرحية بكل هزال ممثليها، على مستوى الفائزين والناخبين على حد سواء. وسيعلن الناخبون عن ندمهم كما لو أنهم يفعلونها لأول مرة وسيضحك الفائزون كما لو أنهم يصدقون أنهم أجادوا لعب أدوارهم.

وهكذا يكون الفساد قد أثبت على أنه القوة الوحيدة القادرة على التقريب بين الطرفين.

 

فاروق يوسف