الشعوذة هي الخوف غير العقلاني من المجهول والايمان بالخوارق. هي أيضا كل معتقد او نسق فكري غيبي لا يمت بصلة لاحد الديانات المعترف بها داخل مجتمع معين، أو للعلم. فالشعوذة اذن هي موقف ادراكي وعاطفي وسلوكي يتبناه الناس بشكل فردي لربط وجودهم بالنظام العام للعالم .هذه المواقف لا ترتكز على أُسس علمية ، ولا يُمكن ادماجها ضمن نظم التفكير المُؤسساتية لمُجتمع مُعين، والتي يتم التعبير عنها من طرف المُمثلين الرائدين و الرسميين لهذا المُجتمع. هي أيضا الدين حسب ادراك الشعب، أو شكل فردي من أشكال التدين الشعبوي، عكس الدين الالاهي الخالص الذي يرى في الوجود ارتباطا عميقا بالكون.

ناس يُؤمنون بالتخاريف أكثر وأكثر؟الما الذي يجعل _

الطبيعة السيكولوجية للخرافة والطقوس السحرية تجعل الناس غير قادرين على التخلي عنها. فالإجماع على كون طقس مُعين يجلب السعادة او الانفلات من المشاكل، يجعل الفرد عند مُمارستها مُؤمنا بجدواها، مما يُعطيه احساسا بتحقيق الذات، بل وأحيانا فرض الذات، حين يتعلق الأمر مثلا بوضع تميمة من أجل نيل "قُبول" غير مُستحق لدى الناس، أو بإطعام شخص محبوب طعاما غريبا كمخ الضبع أو لسان الحمار، من أجل اسكاته واخضاعه أكثر..

كما أن التزكية عن طريق أنظمة الحكم، والتي تدعم الزوايا والطرق التي تبتعد عن الدين، رغبة منها في احتواءها، يجعل الشعب ضحية وقربانا لهذه الطرق الصوفية المشبوهة ، ولساداتها التي تنتسب اليهم. اذ غالبا ما تُرافق طقوس الشعوذة جميع المواسم التي تُكرم الأولياء، أو تحتفل بشيخ زاوية ما أو طريقة من الطرق.

اضافة الى هذا، فالتصورات الخرافية تتجذر بشكل عميق داخل النسق الفكري الغير الواعي للأفراد. وتطفو الى السطح كلما أُصيب الانسان بالإرهاق. فاللاوعي الجماعي حسب المحلل النفساني الألماني كارل جانك يُعد بنية عُضوية موروثة تتحكم في أنماط تفكير الأفراد، بعيدا عن تجاربهم الذاتية. جون بياجي يؤكد كذلك أن التمركز الطفولي للإنسان حول ذاته ورغبته في التحكم في العالم فقط بقوة الارادة، دون اللجوء للفعل المُعقلن ، تجعله غير قادر على التعامل مع المُحيط بشكل عقلاني، وتجعله بالتالي يلجأ لممارسة طقوس تضمن له السيطرة على مُحيطه القريب والبعيد. كما ان هذه الطقوس تُعتبر حسب المدرسة السلوكية استجابات عشوائية لواقع معين، ويتم تعزيز هذه الاستجابات بالتعزيز، كقضاء غرض من الأغراض، أو النجاح في امتحان، أو الظفر بمولود، أو التخلص من القلق . فالسلوكات التي لا يتم تعزيزها تختفي حسب العالم السلوكي سكينر.. بل ان الاستجابة والعنصر المُعزز قد لا يكونان مترابطين سوى في عقل وحسب فهم الفرد نفسه. كما أن عدم تحقق الأمنيات والتنبؤات الخرافية في مناسبات أخرى لا يُلغي تحققها ولو لمرة في احدى المُناسبات وامكانية اعادة تحققها.

ويُعد انتشار دور الرقية الشرعية، وتعاطي الفقراء والاغنياء على حد سواء لها، من أبرز الاشياء التي تكرس هذا النوع من التفكير وتجعله قابلا للتكرار. كما أن الاعلام بدوره يساهم في تزكية هذه النظرة للسحر. وذلك عبر قنوات تستعمل القرآن وتتحايل على عقول المُسلمين من أجل تمرير فكر غير سليم. وتُبارك عمل الراقي والمشعوذ وتُزكيه. وتُكرس لفكرة الوساطة الدينية بين العبد وربه واباحيتها.

عدد الحاجيات المُجتمعية. تعدد المنتوج الخُرافي بالمغرب بت

كل هذه الأنماط من المُعتقدات تُساعد على الايمان بحقيقة واحدة، وهي أن الانسان عاجز عن التحكم في مُستقبله وواقعه بشكل علمي، مما يفتح المجال لانتشار الخرافة. فالفشل في العلاقة مع الزوج، وانفلاته الى امرأة أُخرى، يدفع المرأة مثلا الى التعاطي لسحر المحبة أو التفريق. وفي حالة حمل امرأة أُخرى من الزوج، هناك سحر خاص يُدعى سحر اسقاط الأجنة. مما يجعل المُشعوذ شخصا موسوعيا بالضرورة ، ومُطالبا بالإجابة على كل الحالات الاجتماعية والنفسية والعضوية التي تفد اليه. بل وان أمكنة تعاطي هذه الطقوس تجدها اليوم أشبه بعيادات حديثة تنقصها الأجهزة. فتجدها تجمع بين الحجامة والطب النبوي والرقية الشرعية، ورُبما حتى التدليك والوخز بالإبر وغيرها من التخصصات، بشكل يجعلها تُجيب على كل تساؤلات الزبائن. وهذا لا يعني بالضرورة كونها رخيصة الثمن. فهناك من يتم التحايل عليه ودفعه لبيع منزله من أجل قضاء غرض من الأغراض. والشيء المُميز لهذه العيادات الشعبية أيضا، هو كون التشخيص فضفاضا وكون أعراضه قابلة للتواجد بشكل متفاوت عند كل شخص. حيث تتراوح أعراض الاصابة بالجن مثلا بين ألم اسفل الظهر، ضيق في الصدر، ألم في الرأس، سرعة الغضب وحب العُزلة، اضطرابات الدورة الشهرية ... ويكون عجز الطب وقُصوره عن علاج هذه الأعراض بشكل فوري أو نهائي سببا مُعززا للتعامل مع الخبير الروحاني. كما أن تغاضي الدولة عن منع هذه المراكز جعلها مؤخرا تُنافس عيادات الطب الحديث. وهذا ما يُؤكد خروج راقي مغربي مُؤخرا بتصريح مفاده أن الخطأ الطبي يتم التجاوز عنه ، في حين تتم مؤاخذة الراقي عند وفاة أحد المرضى بفعل تناوله لترياق سام دون اجراء فحص للمريض .

طقوس مقززة، مُضحكة، ووهمية

غالبا ما تتطلب طقوس استحضار الجن تحضير طعام خالي من الملح ووضع الطعام الحُلو في الأماكن القذرة، كالبالوعات والمراحيض. وأحيانا تستوجب جلسة موسيقية معينة لإرضاء خدام الجن واستجلابهم. ويكون الضحك على الراقصين مجلبة للاضطراب والاصابة ب الحال . وتُقام هذه الطقوس عند سادات وأولياء مُعينين، حسب نوع الغرض المُراد تحقيقه. وغالبا ما يتعهد المُصاب بفعل شيء ما من أجل قضاء الغرض، كجلب الذبيحة أو المال أو المعادن النفيسة. ويُعد الوفاء بالعهد والاعتراف كل مرة في السنة من شروط اتمام النعمة، كما يُعد نسيان الولي الصالح وعدم زيارته بهدايا أكبر كل سنة مدعاة للسخط وتدهور الحال. وما يُميز الشعوذة ويجعلها مُختلفة عن الدين هو تنوع الأفكار والمُعتقدات واختلافها من مكان لآخر، بل وأحيانا من شخص لآخر، وذلك تلبية لحاجة مُجتمعية أو فردية مُعينة، كالجنس أو الراحة النفسية أو المال والرفاه. فملوك الجن بالمغرب مثلا لهم أسماء معينة. فنجد اذن البوهالي، حمو الكبير( الأحمر) والصغير. نجد ميمون الأسود، عيشة الروبالة (لكونها تصنع الفوضى) ، والفراقة ( لكونها تفرق بين المُحبين، والبوهالة ( لكونها تجعل الانسان أبلها). هناك أيضا دافيد وبنته ماريا المُدخنة والعاشقة للشمع والخمر، والحزان الذي يُستحب استحضاره ليلة الجمعة والسبت. ويتم عقد هذه التجمعات دون ترخيص من السلطات ودون أي منع يُذكر.

وعلى العموم، فان التوعية المجتمعية وتكريس فكر بديل ينتصر لسُلطة العقل ولفاعلية الانسان وقدرته على تجاوز وضعه الراهن بشكل سليم وعلمي تبقى هي المدخل لتخليص الشعب من سُلطة الدجالين والسحرة والمُشعوذين. كما أن تقويم التمثل الديني عند المغاربة ووضعه على سكته الصحيحة، بعيدا عن التأويل واللغط، يُمكن أن يجعل المغاربة أكثر توازنا.



يونس أعقيد