الأكيد أن العبرة بالمخرجات وفاتح ماي عبرته لما بعد هذا التاريخ، ولهذا السبب مافتئ المشهد النقابي الفوسفاطي يفرض نفسه على كل من يهتم بتصحيح المسار من داخل المنظومة الفوسفاطية بالنظر إلى الدور المحوري الذي تلعبه النقابات باعتبارها أدوات للوساطة بين الإدارة والعمال، ليس بالضبط في مهرجانات فاتح ماي ومسيراته الاستعراضية. بمعنى آخر هي صمام أمان اجتماعي المفروض فيه الحفاظ على منسوب حقوق ومكتسبات في سياق التدافع النضالي المرن، مما يستوجب إزاء ذلك السؤال حول مسار الإصلاح النقابي أو نقد الفكرة النقابية داخل التنظيمات الفوسفاطية.

ومنه فإن بداية الجواب تلزم النقابات باعتماد آليات متقدمة تروم تكريس الديمقراطية الداخلية بما هي اختيار للأصلح وبما هي أيضا تشاور في هذا الاختيار بعيدا عن أساليب الديمقراطية الموجهة التي مورست للأسف في العديد من المؤتمرات ولازالت تُمارَس، بما يجعلنا نعيد توجيه الإشارة والانتباه إلى أن الهدف من هذا التكريس هو حسن تدبير الاختيار والاختلاف والحد ما أمكن من ظاهرة الانشقاقات النقابية والتي طفت على السطح خلال السنوات الأخيرة، وإن كانت النقابات ذاتها ظلت تنفي وجود هكذا انشقاقات أو حتى وجود تيارات موازية بداخلها.

لكن هذا الأمر لا يهمنا بالقدر الذي يهمنا تسليط بصيص ضوء على قدرة أعضاء هذه النقابات على تصريف قناعاتهم ووجهات نظرهم من داخل النقابة الأم وليس من خارجها، وهو شرط أساسي لاستمرارية النقابات واستمرار قوة التنظيم. إذ إن انعدامه من شأنه أن يحدث اختلالا في موازين القوى داخل الهياكل النقابية ويضعنا أمام أفكار وتصورات يتبناها أفراد قد يتحولون مع مرور الوقت إلى مجموعات غير مؤطرة وستكون وقتها أمام خيار وحيد وهو تصريف أفكارها خارج التنظيم النقابي المنضوية تحت لوائه.

بالمقابل، لماذا لا تستطيع هذه النقابات الاعتراف بوجود تيارات وأفكار مخالفة داخلها؟

ربما يعود السبب إلى غياب الكاريزما النقابية التي تستبق الأزمات، ومن ثمة هيمنة الاستخدام السيئ لمفهوم الأقدمية في النضال أو ما يسمى بالسابقة النضالية...أو ربما الإحساس بالدونية والإمعان في خنق الرأي المخالف والذي يذكيه غياب آليات لتصريف هكذا اختلافات.

غير أن الأخطر من ذلك هو انتهاج سياسة الإقصاء والاستئصال بقصد المكوث أطول مدة ممكنة في كراسٍ جاذبة والتي قد تتحول إلى واجهة للامتيازات المعلنة منها والخفية.



يوسف الإدريسي