إلى صديقي الغائب الحاضر الذي رحل عنا في صمت بعد مغامرة غير محسوبة المخاطر، إليك أيها الغالي الذي اخترت ركوب قارب الموت مكرها أملا في تحسين وضعك المادي وتحقيق تطلعاتك المستقبلية.

أكتب لك هذه الرسالة وأنا على ضفاف المتوسطي، أسائل أمواج البحر عنك لعلي أجد جوابا يشفي غليلي عن ما وقع في تلك الليلة المشؤومة، التي حَمَلْتَ فيها حقيبتك المدرسية وتوجهت صوب المقهى المعتاد لاحتساء فنجان القهوة ،ولم نعلم أنها آخر مرة سنراك فيها !

إليك أيها الغالي الذي غاب عنا للأبد بسبب اتخاذك قرار المجازفة بحياتك بعدما فقدت كل الأمل، وعشت مرارة الألم واليأس ،أنت يا صديقي الذي تقاذفتك أمواج البحر في الأعالي لتصير جثة هامدة ،بينما تركت أمك المسكينة تعد وجبة عشاء على ضوء الشموع وتنتظر قدومك إلى البيت كالعادة وهي تسائل نفسها ألم يحن وقت عودته بعد ؟

لقد أردت برحيلك المفاجئ التخلص من قسوة الحياة وبؤسها، والبحث عن حياة أفضل لكن القدر لم يسعفك صديقي !

كنت تعتقد أن هدوء البحر سيساعد قاربكم الصغير للوصول إلى أرض الأحلام، ولم تدر أن هدوءه يسبق العاصفة التي ستحطم أحلامك في عرض المتوسطي ،في مشهد درامي مؤلم يمتزج فيه الموت بأمل الحياة.

تراودني أسئلة كثيرة عن اتخاذك لهذا القرار المفاجىء والمنفرد، هل إلى هذه الدرجة وصل بك اليأس ؟ هل كنت ستسلك نفس الطريق إن توفرت لك شروط عمل يحفظ إنسانيتك ؟

صديقي الغائب، أعلم أنك اشتغلت في ظروف صعبة تنعدم فيها الانسانية ،كنت تنتقل من عمل إلى آخر وتعمل ساعات كثيرة ،بمقابل مادي هزيل لا يكفي إلى سد حاجياتك الأساسية ،بالمقابل لم يتبادر إلى ذهني أنك ستغادرنا يوما ما إلى الأبد !

ها أنت اليوم ترحل عنا تاركا وراءك عائلتك الصغيرة وأصدقائك يتكبدون مرارة خسارتك وأبناء حيك الذين تلقوا الخبر وسط ذهول كبير ، هل حقا فعلها المسكين ؟ كان يريد إنقاذ نفسه وعائلته من مرارة الفقر لكنه لم يستطع، مات وهو يحاول !

فعلا مُتَ وأنت تحاول رسم معالم مستقبل جديد إيمانا منك أنه الخلاص الأبدي لوضعك الاجتماعي البئيس، لن أعاتبك على قرارك أيها الفقيد ،لأنني أعلم أن لولا ظروفك الصعبة لما قمت بهذه المغامرة الغير محسوبة المخاطر.

لهذا يا صديقي سأختم رسالتي وأنا على يقين أنك واحد من بين عدد كبير من الشباب الذين اتخذوا من قوارب الموت حلهم النهائي لتحسين أوضاعهم المادية، أتمنى أيها الفقيد أن تجد بعد موتك عالما مختلفا عن العالم الذي عشت واتخذت فيه هذا القرار ،لا أدري ،ربما تحقق هناك ما كنت تصبوا إليه !

 

أيوب الخياطي


 

Ayouub.khayati@gmail.com