صدر قبل أيام حكم قضائي تاريخي، يُعلي من شأن الحرية والثقافة والأدب في الكويت، ويعيد الاعتبار للدستور الذي وضعه الآباء المؤسسون، والذي تم انتهاكه وتجاوزه من قبل الحكومة نفسها، ومن أعضاء في مجلس الأمة الذين تحولوا إلى ملكيين أكثر من الملك، في تشريع قوانين مقيدة للحريات، ضاربين بالدستور وأحكامه ونظامنا الديموقراطي عرض الحائط، وداسوا بذلك على مشاعر الشعب الكويتي وآماله بكويت الحريات والكرامة.
هذا الحكم الذي أصدره القاضي د. نواف الشريعان، يقضي بإلغاء قرار رقابة الإعلام بمنع رواية الكاتب سعود السنعوسي «فئران أمي حصة»، ويكتسب بذلك شموخاً ومهابة، وتحول إلى وثيقة قانونية عظيمة، كتبت أحرفها من نور، إذ يقول الحكم في حيثياته: «أنها تستند إلى قيم المجتمع وتقاليده، وتأكيد حضارته وميراثه الفكري والفني والأدبي، مؤكدة حق ممارسة حرية التعبير وإن تجاوزت حد المألوف...». 
بل وأعطت حيثيات الحكم درساً في الأدب والنقد عندما أشارت: «ولما كانت الرواية تحمل معاني هادفة حاصلها الدعوة إلى التوحد والتمسك بالقيم الأصيلة والعريقة والتراث الخالد، ومقت الطائفية ونبذها، وأتت صياغتها سليمة وأفكارها منسقة متراصة في سرد قصصي متناغم، يشير إلى إبداع متمسك بالثمين من الأفكار والمعاني، وتسلسلت أحداثها في أسلوب روائي متناسق، فإن الخلاف على بعض ما قد يرد بها، يظل في إطار تقييمها كعمل فني، لا يعبر بالضرورة عن وجهة المؤلف، بقدر ما هو رصد لواقع برؤيته قد يعتريه أي من الصواب أو الخطأ». وهذا هو الحكم التاريخي الثاني، بعد إلغاء قرار منع تداول رواية الكاتبة دلع المفتي «رائحة التانغو». 
هذان الحكمان يلغيان كل مبررات وجود الرقابة على الكتب، بل هما إدانة قانونية للقيادات التي خالفت مبادئ الدستور، ويضعان أي رئيس وزراء أمام مسؤولياته الدستورية عند اختيار وزراء وقيادات الإعلام، بل ان الحكومة مطالبة وهي تضع رؤية الكويت الجديدة 2035 أن تضع رأي القضاء بالاعتبار، وبالأخص أنه لا يمكن الحديث عن أي تنمية جادة، من دون أن يكون محورها الإنسان، وتطوير النظام التعليمي وثقافة المجتمع الشاملة، وكذلك الإصلاح السياسي وإتاحة الحريات المنصوص عليها ويؤكدها دستور البلاد.
وهذا الحكم في مضامينه يؤكد أن قيم المجتمع وتقاليده وحضارته وميراثه الثقافي والفني، قد اُنتهكت بمنع أعمال المبدعين الكويتيين، وإشاعة ثقافة كبت الحريات وقمع الإبداع، كما أشار د. خليفة الوقيان، فقد طال قمع روائيين عدة، بمن فيهم كبار الأدباء والمثقفين والمفكرين بالكويت.
ويُدلي القضاء برأيه حول الرقابة مؤكداً: «أنه قد اندثرت إلى غير رجعة، مصادرة الرأي وحجب الفكر وترويج فقر الفكر»، وهو موقف رائع يرفع من قيمة الفكر والحرية، وينتصر لقيم المجتمع وتقاليده الحقيقية، المتمثلة في حرية الرأي والتعبير، وليس كما تراه الجماعات المتشددة.
وفي الأخير ندعو للمرة الألف، القوى السياسية والمدنية وجمعيات النفع العام والحقوقيين والقانونيين، إلى الابتعاد عن التذمر والتنظير، والتحرك لدعم الحريات والإبداع استناداً إلى القضاء ومبادئ الدستور.

osbohatw@gmail.com