ما كان مستحيلا قبل وقت قصير صار ممكنا اليوم.

كان العالم قد وقف على أطراف أصابعه غير مرة وهو يتوقع نشوب حرب مدمرة في شبه الجزيرة الكورية. وقد فشلت كل المحاولات التي بذلتها الولايات المتحدة في لي ذراع كوريا الشمالية وثنيها عن المضي قدما في برنامج انتاج الأسلحة الفتاكة.

وها هما الزعيمان الكوريان، الشمالي والجنوبي يتعهدان في بيانهما المشترك في أن تكون شبه جزيرتهما خالية من السلاح النووي.

ما حدث كان صادما، غير أنها الصدمة التي تصنع التاريخ.

هناك أسباب كثيرة دفعت الزعيم الشمالي إلى توجيه ضربته الإيجابية ليس من بينها الخوف من تهديدات الرئيس الأميركي. كان هذا واضحا قبل أن تُعقد قمة الكوريتين.

لقد قرر كيم جونغ أون أن يصنع السلام على أرضه وبإرادته واحتراما لمستقبل شعبه بعد أن أثبت للعالم أن بلاده قوية ولا يمكن اخضاعها أو إفشال مساعيها لضمان أمنها.

السلام في كوريا يصنعه الكوريون بأنفسهم ولا يصنعه الاميركان أو الروس أو الصينيون. تلك هي خلاصة الدرس الكوري. وهو درس يصح في مختلف بقاع العالم التي تشهد اضطرابات. فالشعوب الحية وهي بوصلة زعمائها قادرة على أن تصنع مصيرها بإمكانياتها الذاتية من غير الاعتماد على قوة دفع خارجي قد تؤدي إلى توجيه المسار في طريق منحرف.

وهو ما حدث في سوريا وقبلها في العراق، بحيث ضاعت الحقيقة وانعدمت إمكانية الرؤية ولم يعد أحد قادرا على تخيل شروق شمس اليوم الذي يكون فيه الحل ممكنا. والحل هنا هو سلام قائم على القوة الذاتية وليس عن طريق الاخضاع المفقر والممنهج والمذل لكل الأطراف.

لقد أثبت الكوريون إن معجزة من ذلك النوع ممكنة.

بل أن ما حدث يعد معجزة في سياق التجربة العربي في حين هو فعل من أفعال إرادة القوة لدى الآخرين.

المرات التي أفلت العرب من أيديهم فرصة أن يصنعوا السلام بأنفسهم لا تُحصى غير أن ما حدث في سوريا يمكن أن يعطينا فكرة عن الأسلوب الذي يتبعه النظام السياسي العربي من أجل أن يعلن فشله. وهو ما يدعو إلى الاستغراب فعلا.

ففي بدء الأزمة السورية كانت هناك مبادرة عربية لتفكيك عناصر تلك الأزمة لو نجحت لما تحولت سوريا إلى مريض عربي آخر لا أمل في شفائه.

ليس صحيحا القول إن الحكومة السورية وحدها هي الطرف الذي أجهض تلك المبادرة. بل الصحيح أن تلك المبادرة كانت مجهضة من داخلها وهو ما اكتشفه السوريون عاجلا فلم يتعاملوا معها بطريقة جادة.

كانت تلك المبادرة تفتقر إلى قوة الموقف وصراحته ودوافع المضي إلى الحقيقة من غير نفاق أو حرج أو خوف. إضافة إلى أن هناك أطرافا لم تستوعب خطر ما يجري في سوريا على الأمن القومي العربي. وهو ما كشفت عنه الأحداث في السنوات اللاحقة.

وهكذا انسحب العرب بطريقة لا تليق تاركين سوريا لسواهم معترفين من خلال تعليق عضوية الدولة السورية في الجامعة العربية بما كانوا يضمرونه من موقف سلبي، هو السبب الرئيس لفشلهم في معالجة الأزمة.

لقد عبر العرب يومها عن ضعفهم وتردي أحوالهم وهزال موقفهم من أنفسهم وعدم ثقتهم بقدرتهم على صنع سلام الأقوياء.

لذلك انتقلت سوريا من الممكن إلى المستحيل.

فما كان ممكنا عربيا قبل سبع سنوات صار مستحيلا عالميا الآن.

سوريا التي لا يمكن استعادتها عربيا هي اليوم بضاعة عالمية خاسرة.

وإذا ما كان درس الكوريتين قد أعادني إلى منطقة قد يكون فيها الكلام مكررا فإن ما يجب أن يتعلمه العرب من خسائرهم ومن أرباح الآخرين معا أن صنع السلام يتطلب أن يكون المرء قويا وقادرا وصلبا ومتمكنا ومتماسكا من الداخل ومن غير ذلك فإن السلام الذي يفرضه الآخرون هو أسوأ من إعلان الحرب.

 

فاروق يوسف