لم يدخر المناوئون لمشروع بناء الدولة (الخصوم السياسيون على مختلف مشاربهم!) أي جهد لأجل ارباك المشهد السياسي في ليبيا وخاصة بشرق الوطن. فهؤلاء الخصوم المسيطرون على العاصمة، المفتقرون الى الحد الادنى من الوطنية والأخلاق ومعايير الخصومة السياسية، والذين تجوب قياداتهم مختلف بؤر الفساد الاقليمية التي ساهمت وبشكل كبير في زعزعة الامن والاستقرار في البلد، لم ينفكوا عن ارسال مختلف ادوات القتل والتدمير متمثلة في جرافات الموت وشراء ذمم بعض النواب ما اسهم في تعطيل المجلس.

هؤلاء الخصوم وعلى مدار اسبوعين كاملين، عاشوا فرحة النصر المزعوم، النصر الذي افتقدوه لما يقرب من الاربع سنوات، هي عمر انتفاضة العسكر على التكفيريين وشذاذ الآفاق في بنغازي. فهؤلاء الشراذم يدركون تماما انهم ما كانوا ليصلوا الى اعلى درجات التحكم والسيطرة (نحسبها اعلى درجات الانحطاط الاخلاقي) في ليبيا لولا تدخل الناتو بتواطؤ عربي واقليمي، وأصبحوا على يقين بأن المشير ومن معه يقفون سدا منيعا دون تحقيق اهدافهم في ان تكون ليبيا بيت مال تنظيم الاخوان العالمي. قالوا عن القائد العام بأنه مصاب بجلطة دماغية ولم يعد قادرا على الحركة، بل انه ادخل نفس المشفى الذي دخله عرفات وخرج منه جثة هامدة، تارة للتشفي وتارة بأن الموت حق وانه بين يديّ رب ليس غفورا بل شديد العقاب.

قنواتهم الفضائية التضليلية تبث مشاهد عن بعض احياء بنغازي وقد لحقها الدمار، وهم يدركون جيدا ان وجود عناصرهم الاجرامية محتمين بالأحياء السكنية هو الذي اطال امد الازمة والسبب الرئيس في هذا الكم من الدمار، وكذلك نزوح اعداد غفيرة خارج المدينة.

عدم ظهور المشير على أي من القنوات الفضائية خلال تلك الفترة، ربما كانت مقصودة لإتاحة الفرصة امامهم لينفثوا سمومهم بالشارع، وليتبين الخبيث من الطيب. واجزم بان الشعب اصبح مدركا جدا لما تخطط له هذه الفئات الباغية، سواء المتسترة بلحاف الدين او تلك المتشدقة بالديمقراطية وحرية الرأي والتعبير واختيار الانسب عبر صناديق الاقتراع. فهؤلاء من دنّسوا ودلّسوا انتخابات 2012، وهم من التفوا على نتائج انتخابات العام 2014، وأرجعونا لحياة ما يربو على القرن من الزمن.

ظهور المشير وإدلائه ببعض الكلمات، طمأنت الشارع، أخرست ابواق الفتنة ومنعدمي الضمير الذين باعوا الوطن للغير وأسمعت من بهم صمم، وثبطت عزائم القيادات (نحسبهم بيادق) المرتبطة بالخارج، ولا عزاء لهؤلاء إلا بالعودة الى رشدهم والمساهمة في بناء الوطن. فلا دولة بدون جيش وطني قوي وقوى امنية وفق المعايير المتعارف عليها. يكفي المواطن مذلة ومهانة وقد بلغ به العوز اشده. فرغم تصدير لما يربو على المليون برميل نفط يوميا وملايين الاطنان من الامتار المكعبة من الغاز، فإننا نتلقّى الصدقات من منظمات دولية. انه الزمن الرديء الذي اوصلنا اليه هؤلاء، الذين سطوا على مدخرات الدولة الليبية وحولوها الى الدول التي تحتضنهم، ليزدادوا ثراء ونزداد بؤسا وشقاء.

الملفت للنظر ان انجرّ الى الحملة بعض الكتبة الذين اعتبروا انفسهم محللين سياسيين، بل امعنوا في التجهيل والتطبيل، اوهمونا بأنهم يملكون معلومات لا يرقى اليها الشك، فكانت مجرد اضغاث أحلام، لا نقول مدفوعة الاجر، بل اراها وسيلة استجداء رخيصة لتصب في خانة المتاجرين بالوطن، المساهمين في احداث المزيد من الفتن وما اخالهم افلحوا. نزعوا عن انفسهم لباس الحيادية والتحليلات الموضوعية، واصبحوا مثارا للسخرية من جمهور آل على نفسه المضي قدما في احتضان من تصدوا لجبروت المتأسلمين والليبراليين على حد سواء، غير آبهين بالإعلام المضلل. فلتخرس الاقلام والقنوات ألمأجورة، لقد بلغ السيل الزبى، الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والأمنية لم تعد تحتمل والشعب سيقول كلمته في اول فرصة سانحة، عسى ان تكون قريبة.

 

ميلاد عمر المزوغي

كاتب ليبي