ما معنى أن تقاطع اقتصاديا؟ أو سياسيا؟...ما معنى أن تجد نفسك منخرطا في صفوف المقاطعين وتحفر عميقا في مفهوم المقاطعة الاقتصادية والسياسية وأدبياتها؟..تتراءى في السياسة المغربية وجوه عفا عنها الزمن، ومع ذلك تقاوم للبقاء..منهم المُعفون..ومنهم المطرودون..ومنهم من لفظتهم قضايا الفساد..ومنهم غرقى يستنجدون بالحملات والصور ويتجملون ويحاولون البقاء بالاتكاء على عمود السلطة كلما هبت نحوهم..أليس من الأجدر لهؤلاء أن نقاطعهم ونكف عن تتبع أخبارهم ووقف المداد المسال نحوهم من حين إلى آخر؟.

هؤلاء الساسة بائعو الوهم والمتاجرون في الدين وفي قضايا الوطن، والمتربصون بالفرص والمتملقون زلفى إلى أحابيل السلطة، يجدون ضالتهم في الوعود الانتخابية وفي بيع الوهم وفي إعادة مساحيق التجميل التي تجمل واجهات دكاكينهم..أليس الأجدر بنا أن نقاطعهم ونضعهم في حوافي التاريخ؟...

المقاطعة السياسية العدمية بمقاطعة كل شيء فكرة لا ترتكز على منطق عقلاني؛ لأن من يشتغل سياسيا على فتح آفاق للتفكير وللعمل السياسي علينا أن نواجهه بالنقد وبالاحتفاء، ومن يسعى حتى الدقائق الأخيرة إلى الوصول إلى قبة البرلمان ومناصب الجهة والبلديات.. ومحاباة السلطة..وتحين الفرص للانقضاض عليها.. علينا أن نكون أكثر حذرا منهم، لأنهم من طائفة الأفاقين الذي لا يهمهم الوطن بقدر ما تهمهم مصالحهم التي يبحثون عن طرق ووسائل لتصريفها...

الشعبويون الطائفة الأكثر صخبا في العمل السياسي..الهتافون والصياحون والموالون لمصالحهم..طائفة الأجواق التي تعزف على كل الألحان..وكل لحن لها يعزف على ماذا فعلت لمصالحها..وخطاباتها المزدوجة وأقنعتها التي لا تنتهي..رحل البعض منهم والبعض انكفأ على نفسه حسرة أنه وجد نفسه في مواجهة الجدار السميك..

تستفيق هذه الطائفة بلغة القبيلة والتوريث..ابن أعرشان يظهر مجددا بعدما توارى ذكر والده في النسيان، ويحاول إحياء العظام وهي رميم..أوزين الفتى الذي غلبته "الكراطة" وسبح في نقد بشع ورسم صورة لبلد متخلف يحاول العودة مجددا وتغالبه الفضائح وهو يستنجد بامرأة تقتات على ماضيها..يخبو صوت بنكيران بعدما شن حربا ضروسا على الطبقة الوسطى وحاول محقها والقضاء عليها..شباط ينزل مرغما من الصراع ومن الجوقة بعدما تفرقت سبل الأتباع والأشياع تباعا ووجد نفسه وحيدا منبوذا..

المقاطعة السياسية ذات الجدوى والمنفعة هي ألا تترك هذه الجحافل تغير من لون وشعارات أحزابها وتهيم ترحالا في أحزاب سياسية قديمة أو مستحدثة أو جديدة.. وتغير من ألوان جلدها وصوفها وتمتطي تجارب سياسية في كل استحقاق سياسي..المقاطعة السياسية تأخذ هنا وبهذا المنظور درجة الاستحقاق والكفاءة والأخطاء المرتكبة وذاكرة التاريخ..التاريخ لا يرحم..التاريخ لا يهادن أحدا ولا يصنع أسماء بقدر ما يعلن درجة البشاعات والقرف السياسي الذي يؤدي إلى العزوف السياسي والنفور..تكرار هذه الشخصيات في كل المحطات الانتخابية دليل على أزمة العزوف التي أضحت بنيوية في العمل السياسي المغربي؛ لذا فإن المقاطعة الاقتصادية لا يستقيم حالها إلا على درجة لفظ هذه الطوائف وهؤلاء المستهجنين وجوقة الطبالين من المهيمنين على الحياة السياسية المغربية..

رجل السياسة رغم قدرته الكبيرة على المناورة له قدر كاف من المصداقية والنزاهة والعمل في تربة خصبة يحافظ فيها على ماء الوجه وعلى علاقاته مع الناخبين وعلى تثمين علاقاته وبنائها..جوقة المهرولين والمتحولين سياسيا كل همهم أن يبحثوا عن مناصب جديدة ومقاعد وثيرة ولو على حساب قناعاتهم وألوانهم السياسية...

الوعي بضرورة مقاطعة هؤلاء وتنقية الأجواء كفيل بإعادة منح نفس جديد للحياة السياسية المغربية التي تعرف الكثير من المتغيرات..وهي القطع مع هذه الوجوه التي أضحت عبئا ثقيلا على كاهل الحياة السياسية المغربية، وحان وقت قطافها....

فاطمة البركيبي

* باحثة في العلوم السياسية