تعتبر السلفية من أهم وأشهر التيارات الدينية في المغرب، وعلى مستوى المجال التداولي الإسلامي ككل، حيث يتميز التنظيم بمواقفه وعلاقاته المبهمة مع التيارات والطرائق الإسلامية الأخرى...وتستنكر السلفية وجميع روافدها بما في ذلك السلفية الجهادية بالمغرب عقيدة الطرق والزوايا الصوفية..وتعتبرها أداة للتبشير بالاستعمار وخدمة مصالحه...  

ففي المغرب تتمثل هذه العقيدة/الطريقة، من وجهة نظر السلفيين في الزاوية "الكتانية" و"الريسونية" والزاوية "الشرقاوية" أساسا، بالإضافة إلى مجموعة أخرى من الطرق والزويا المحسوبة على الصوفية...

 فما دليل السلفيين على أن الصوفية هي أداة للتبشير بالاستعمار ؟ ولما تم تأسيس الزوايا الصوفية من وجهة نظر السلفين  في الجزائر و تونس و المغرب ؟ ولما تم التركيز من طرف السلفين على الزاوية الكتانية رغم أن أحد أبنائها كان يحسب على التيار السلفي الجهادي حتى وقت قريب؟

الصوفية مذهب يدفع إلى موالاة الأعداء حسب السلفيين
يرى السلفيون، أن جل الصوفية مذهبهم في القضاء والقدر مذهب الجبرية المتمثل في كتب الأشعري، هذه العقائد تدفع صاحبها إلى موالاة أعداء الله و إلى ترك الجهاد بحجة عدم الإعتراض على إرادة الله، لذلك لا يستغرب إن كانت جل الطرق الصوفية في الغرب الإسلامي(شمال إفريقيا) أداة تبشيرية  للإستعمار وخدمة مصالحه كحال الطريقة التيجانية  والعليوية في الجزائر و تونس و كذلك جل الطرق الصوفية في المغرب كالزاوية الكتانية والريسونية والشرقاوية...

 ومن أراد مزيد البحث، حسب السلفيين فليرجع إلى الكتب التي أرخت لمرحلة الإستعمار كمجلة الشهاب والبصائر الجزائرية وجريدة السعادة المغربية، في حين كانت السلفية هي حاضنة الثورة والجهاد ضد المستعمر و أذنابه كحال جمعية العلماء الجزائرية بزعامة العلامة السلفي ابن باديس والمجاهد الكبير العالم محمد البشير الإبراهيمي وزعماء الحركة الوطنية بالمغرب كشيخ الإسلام محمد بن العربي العلوي الذي يقول في أحد رسائله مخاطبا أحد الوزراء :
"وأنت تعرف- وحسب علمي فلك حاسة تاريخية وذاكرة قوية-أن الإستعمار كان يعتمد على الطوائف الضالة وعلى تشجيع المواسم التي يخرج بها أصحابها عن جوهر الإسلام...".

فالجميع يعرف حسب السلفيين، أن الحركة السلفية التي هي الأم الرؤوم للحركة الوطنية ناهضت هذا الإتجاه ونجحت في تقويم المجتمع المغربي، فأعطت للمغرب بذلك طابع البلد الإسلامي السليم من الخرافات والأضاليل والطوائف والإعتقادات الفاسدة.

فمحمد بن عبد الكريم الخطابي و علال الفاسي و الطيب العلوي والوزاني وغيرهم، أسماء تشهد على ذلك ، يقول الباحث المغربي "عكاشة برحاب"، والذي تميز باستدلاله بوثائق ورسائل من الأرشيف الفرنسي، في كتابه عن "الزاوية البودشيشة " ص58 "تجمع المصادر المكتوبة والرواية الشفوية على الدور الذي قامت به بعض الطرق الصوفية والزوايا لتسهيل عمليات الغزو والإحتلال ثم صارت فيما بعد وسيلة في يد المستعمر بهدف استعباد المغاربة  وكانت الزاوية الكتانية هي التي تتزعم هذا التوجه في شخص زعيمها عبد الحي الكتاني...".

وهنا وجب التذكير، أن السلفيين المغاربة سواء منهم المعتدلون أو المتشددون الذين ينعتون بـ"السلفية الجهادية"، والذين ارتبطوا أكثر بالسلفية المشرقية والوهابية، يرتكزون كثيرا في توجيه انتقاداتهم للصوفية على كتب الباحث المغربي "عكاشة برحاب".

دليل السلفيين على أن محمد عبد الحي الكتاني كان عميلا لفرنسا
يؤكد السلفيون المغاربة، خصوصا منهم المتشددون على أمن العلامة المحدث المسند أبو الإسعاد محمد عبد الحي الكتاني لا يشك مغربي أو مغاربي في عمالته لفرنسا، بحيث أنه كان يعلن عن ذلك و لا يكتمه ولم يكن  أحد يظن أن يأتي شخص يريد طمس التاريخ فيبرئ ساحة عبد الحي الكتاني.

هذا الكلام دفع بمجموعة من الصوفيين إلى الكتابة في هذا الموضوع دفاعا عن أنفسهم وتبرءا من عبد الحي الكتاني، حيث يقول أحد الصوفيين الكبار:"...حتى وجدت هذا المدعو حمزة بن علي الكتاني وأخاه حسن يدلسون ويحاولون تزوير التاريخ وراج تدليسهم هذا على كثير من إخواننا المشارقة نظرا لعدم إلمامهم بالتاريخ المغربي ..."

استدلال التيار السلفي بشهادات لمقربين من عبد الحي الكتاني على خيانته للوطن المغربي

حسب عدد ليس باليسير من السلفيين، شهد بعمالة عبد الحي الكتاني أخوه مجدد دعوة الزاوية الكتانية محمد بن عبد الكبير الكتاني الذي مات مقتولا على يدي المخزن القديم،  وكذلك قريبه محمد البا قر الكتاني مؤلف كتاب " الإمام الشهيد"، وكذا الشيخ محمد المنتصر الكتاني جد "المخرف" حمزة بن علي الكتاني، بالإضافة إلى أكبر مقدم للطريقة الكتانية ورافع رايتها الشيخ عبدالله بن سعيد السلوي الكتاني .
أما شهادة أخيه محمد فيه وشهادة محمد الباقر الكتاني فترجع إلى كتاب هذا الأخير " الإمام الشهيد " الطبعة الأولى والمقصود طبعة الرباط لا الطبعة الجديدة التي قام بتزويرها حمزة الكتاني و نور الهدى الكتاني التي صدرت عن دار ابن حزم، كما يقول مؤلف الكتاب .
أما العلامة السلفي تقي الدين الهلالي رحمه الله فيقول في الهدية الهادية: "...وكان الشيخ عبدالحي الكتاني عدوًا للطريقة التيجانية لأنه كان شيخًا رسميًا للطريقة الكتانية، وإنما قلت رسميًا لأن أهل (سلا) أعني الكتانيين أنصار الشيخ محمد بن عبدالكبير الكتاني، مؤسس الطريقة الكتانية لا يعترفون به أي بالشيخ عبد الحي ويقولون إن الاستعمار الفرنسي هو الذي فرضه على الكتانيين فرضًا والذي حدثني بذلك هو العالم الأديب النبيل الشيخ عبدالله بن سعيد السلوي فإنه كان حامل لواء نصرة الشيخ محمد بن عبدالكبير الكتاني وكان يعادي أخاه عبدالحي عداوة شديدة ويرميه بالعظائم والكبائر التي لا يسوغ ذكرها هنا والاستطراد بذكر أسباب العداوة بين الشيخين الكتانيين الأخوين يخرج بنا عن الموضوع..".
أما شهادة محمد المنتصر الكتاني وشيخه أحمد بن الصديق الغماري، الذين كانوا يعادون عبد الحي ويرمونه بالعظائم فهي معروفة فقد ألف الغماري ردا على رسالة الكتاني سماها "كشف الأستار المسبلة وتبيين الأوهام المسلسلة الكائنة في رسالة عبد الحي الكتاني المسماة بالرحمة المرسلة في شأن حديث البسملة"، اتهم فيها الكتاني بالجهل والعمالة، فرد عليه عبد الحي الكتاني بكتاب " سوط الأقدار المسدلة على كشف الأستار المرسلة من القهار لفضيحة أحمد بن الصديق الغماري حمارة الإستعمار وذنبه المنتصر الكتاني حثالة الأوساخ والأقذار" وهو مخطوط بالخزانة الوطنية رقم 8243 ك

من شهادات لأقرب المقربين الى شهادات لعلماء سلفيين في حق عبد الحي الكتاني

يطرح السلفيون المغاربة مجموعة من الشهادات ضد عبد الحي الكتاني، استدلالا على "خيانته"، وبالتالي يمرون إلى محاولة هدم أسس التصوف بالمغرب، معممين حالة الكتاني على باقي الزوايا الصوفية خصوصا بالمغرب، خصوصا منها الريسونية والشرقاوية.
يقول العلامة السلفي محمد البشير الإبراهيمي  في حق الكتاني:
"
وعرفنا من هذه الطائفة (أي الطريقة الكتانية) أنها كانت في تاريخ الاستعمار طلائع لجنوده ، وأعمدة لبنوده ، وشباكا لصيده ، وحبائل لكيده ؛ وأنها كانت ومازالت ، في المواقف الوطنية والأزمات القومية ، داعية هزيمة ووسيلة تخذيل ؛ وأن من المخجل أن نسمي أفرادها أناسي تعقل وتعي وتشعر ؛ وإنما هي آلات وأدوات تسخّر وتسيّر ؛ وعرفنا في قائدها الجديد ، وحامل رايتها عبد الحي الكتاني ، أنه كالدرهم الزائف لا يدخل في معاملة إلا كان الغش والتدليس واضطراب السوق ؛ وأنه لا يعرف العالي والنازل ، والمدبَّج والمرسل ، إلا في رواية الحديث ، ولا يعرف زين الدين وابن الصلاح إلا في رجال المصطلح والآثار ؛ أما مع الاستعمار فإنه لا يعرف إلا التلقي والمباشرة والاتصال ، وأنه تاجر بارع في المقايضات باسم الدين والعلم والطرقية ، والتاجر الحاذق لا يعجزه إذا بارتْ سلعته في موطن أن يضرب في الأرض وأن يشد الرحال " آثار الإبراهيمي 3/391.

و قد علق الشيخ الإبراهيمي على زيارة عبد الحي للجزائر وجمعه للطرق الصوفية في ذاك المؤتمر الذي حضر فيه الضباط الفرنسيون وكان بإشراف من الحكومة الفرنسية في مقال بعنوان " عبد الحي ماهو ؟ وما شأنه ". آثار الإبراهيمي.3/544. وتركنا إيراده للإختصار.

 أما الشيخ العلامة المؤرخ محمد بوخبزة فيقول عن عبد الحي الكتاني:
لا نعلم شيئا عن علاقة الشيخ محمد بالفرنسيين .بخلاف أخيه شيخنا عبد الحي فإنه كان يعلن ذلك قولا وفعلا وتورطه في الفتنة الكبرى مع الباشا الجلاوي التي أفضت إلى نفي الملك محمد بن يوسف ونصب خلف له لا في العير ولا في النفير لا يحتاج إلى إثبات وفي ذلك ينشد:
وليس يصح في الأذهان شيء .........إذا احتاج النهار غلى دليل."

ويقول عنه العلامة السلفي المجاهد -مؤسسة الحركة الوطنية بالأطلس - مولاي الطيب العلوي 
بعد أن نشر مقالا بمجلة البصائر يهاجمه فيه فأرسل إليه عبد الحي أحد المقربين منه ليستفسره عن سبب كل ذلك الحقد فرد عليه بقوله: "أما أنه لم يسد إلي مكروها يخصني فاللهم لا ولكنه أسدى إلى الوطن مكروها نالني منه بقدر شعوري و إحساسي ...أما كوني أنشر ضده في الصحف الخارجية والداخلية فاللهم نعم ولو قدرت على الإنتقال من شباة القلم إلى شباة السيف لفعلت و سيأتي لذلك زمن ..." مذكرات الطيب العلوي ص196.

في حين أن الشيخ المجاهد -مؤسس حركة المقاومة بالخميسات-السلفي أحمد بوبية قال:
وممن أدركتهم وأخدت عنهم شيخ الطريقة الكتانية اللأمة المحدث... عبد الحي الكتاني قبل أن يستفحل أمر انغماسه مع السلطات الإستعمارية ضد الحركة السلفية والحركة الوطنية ". مذكرات أحمد بوبية ص382.

من جهته، قال عنه (عبد الحي الكتاني)أبو الغيظ أحمد بن الصديق الغماري الدرقاوي:
الشيخ عبد الحي الكتاني ... الجاسوس تارك الصوم والصلاة قاتل الأرواح سارق الكتب و الأموال ...." كشف الأستار المسبلة .ص 27

يعتبر السلفيون أن تعيين عبد الحي الكتاني رفقة التهامي الكلاوي ومحمد بن عرفة  لحكم المغرب بعد نفي محمد الخامس أكبر دليل على خيانته

يستشهد السلفيون المغاربة، على خيانة عبد الحي الكتاني، بكون الفرنسيين عندما نفوا  الملك السلفي الوطني محمد الخامس كان ذلك بدعم من عبد الحي الكتاني، الذي كان يفتي الفرنسيين بجواز قتل المغاربة وبينما الشعب المغربي المسلم يذبح ويقتل، فإذا بعبد الحي يظهر صحبة جنرالات فرنسا يوشح بالأوسمة وتقام على شرفه المؤدبات، ولما نفوا الملك أقاموا مكانه ثلاثة من الخونة على رأسهم محمد بن عرفة كملك والتهامي الكلاوي وعبد الحي الكتاني...فانتفض المغاربة من أجل ملكهم وحاولوا قتل الدمية محمد بن عرفة فلما شعروا بالخطر أعادوه إلى المغرب و لما حل فجر الإستقلال هرب عبد الحي الكتاني من بطش المغاربة ليستقر في فرنسا عند أولياء نعمته، وتوفي هناك ويا لها من خاتمة ودفن في مدينة نيس الفرنسية وهذا جزاء الخائنين...وقد قال الملك محمد الخامس عفوت على التهامي الكلاوي لأنه رجل جاهل ولم أعف عن عبد الحي الكتاني .

بعد كل هذه المعطيات، تبقى شرعية مجموعة من الأسئلة قائمة، على الأقل من الناحية النظرية والمنطقية، من قبيل هل يجوز تجريم جميع الزوايا الصوفية بالمغرب بناء على "خيانة" عبد الحي الكتاني؟ وهل نأخد الزاوية الكتانية كلها بما فعله عبد الحي الكتاني؟ وهل فعلا جوهر الصراع بين السلفيين والصوفيين مبني على اختلاف عقدي أم أن جوهر الصراع له جذور سياسية وقبلية..؟