إذا كان الشعب السوري قد أدى الثمن غاليا، من خلال ما أصابه وألم به من كوارث لا تنتهي، فإن علينا نحن هنا أن نأخذ الدرس ونستخلص العبرة؛ فالتاريخ ليس للفرجة، بل للقراءة والتأمل والاعتبار.. إنه حقا درس بالغ الإيلام، يتطلب الكثير من الاستبصار وتقليب النظر، سواء من حيث مدخلاته أو من خلال ما أفضى إليه الأمر من مخرجات أكثر من مفجعة. وهذه بعض تلك الدروس والخلاصات، الطافحة بالدلالات:

الدرس الأول: وهو درس يخص الداخل، درس ذاتي محض إذا شئنا الدقة، ويهم أساسا علاقة الحاكمين بباقي المؤسسات والهيئات والأفراد؛ فالمؤكد أن من أسباب نشوء الأزمة داخليا وتطورها سوء العلاقة القائمة بين الحكام والمحكومين، وعدم التمكن من إيجاد صيغة ترضي الأطراف المتنازعة، ويتحقق بموجبها الحد الأدنى من المطالب التي طرحت في بادئ الأمر؛ فالأمور تنطلق دائما هكذا، جملة مطالب يتم التعبير عنها بأشكال احتجاجية معينة، وسرعان ما تتطور في اتجاه الفوضى المنذرة بعدم الاستقرار، حين تنعدم القدرة على الحوار الجدي والمسؤول، وتفتقد المرونة اللازمة والتعقل المطلوب للسيطرة على الأوضاع في بداياتها الأولى..

في هذه اللحظة بالذات، يفتح باب جهنم، حين يتوقف داعي التعقل وتتداعى كل الأطراف، وكل العناصر لتصب الزيت على النار: الطائفية، الجماعات الإرهابية، تجار الفتن والحروب، والضحية طبعا يكون دائما هو، المواطن البسيط والعادي.

الدرس الثاني: ويهم أشكال الطائفية المذهبية والسياسية، حيث يدلنا الوضع السوري على أن الانغلاق المذهبي -كان دينيا أو سياسيا- لا يمكن أن يسهم في حل الإشكالات العويصة؛ بل يزيدها تعقيدا وكارثية. المصاب السوري يقدم للعالم وللعقلاء درسا مؤلما في هذا الاتجاه، ويعرض علينا صورة قاتمة لمسار ومصير الإصطفافات القائمة على المذهبيات والعصبيات الدينية والسياسية المنغلقة، والتي لا ترى من حل حقيقي، عدا القتال والحرب، والنتيجة أمامنا، فتك ودمار وخراب للعمران، ومرة أخرى المواطن العادي هو الضحية.

الدرس الثالث: ويخص العامل الخارجي، فقد تأكد، وبالواضح المفضوح وبشكل أكثر مأساوية، أن المصلحة هي سيدة الموقف، وأولوية الأولويات بالنسبة إلى الخارج، الأوروبي والأمريكي والآسيوي، وأن صوت المال والسلاح والنفوذ والحسابات السياسية أقوى بكثير من صوت العقل والحكمة والأخلاق، إذ سرعان ما تحولت البلاد السورية إلى ساحة مفتوحة للحرب بالوكالة، حرب يصنعها الكبار ويؤدي ثمنها الصغار، يراكم الكبار المصالح المادية والجيوستراتيجية ويتجرع الشعب المرارات كلها . فالمؤكد أن ما نراه اليوم في سوريا، كما في غيرها، إنما هو إعادة توزيع وتشكيل مناطق النفوذ والهيمنة، بما يضمن مصالح الكبار، وبعض من يليهم، أما الثمن فلا يهم ما دامت الشعوب العربية هي من سيدفع.

هي دروس ثلاثة يمدنا بها المصاب السوري:

- ضرورة إصلاح العلاقة بين الحاكمين والمحكومين، وفق قواعد ضابطة، أقلها الالتزام المتبادل بالحد الأدنى من المقتضيات الديمقراطية؛

- التموقع الطائفي والانغلاق المذهبي لا يفيدان في مواجهة الإشكالات الكبرى، وإنما يزيدانها تعقيدا؛

- المصلحة ثم المصلحة ثم المصلحة، هذه هي عقيدة الخارج المؤكدة في علاقته بقضايانا وهمومنا، فلننظر ماذا عسانا نفعل.


 

إبراهيم أقنسوس