شيءٌ ما يتغيّرُ جِذريًّا في بلادنا.. لقد انْكسَرَ جدارُ الصمت..

وبلادُنا تشقُّ الطريق، وبثَبات، إلى إنهاءِ النفاقِ التواصُلي.. نهايةِ «مُؤامرةِ الصمت»..

وكلُّ معلُومٍ يُقال.. وهذه حركةٌ نقاشيةٌ وطنيةٌ أصبحت بلا حُدود..

في كل المواضيع، وبلا استثناء، يتكلمُ الناس.. ويُناقِشُون أنفُسَهم.. ويُناقشون بعضَهم.. بالملتقيات.. والمنتديات.. ونسمعُ كلاما، هو أحيانا رأي، حتى من بعض المتَّهَمين.. وتعلقياتٍ لمحامين بأبواب المحاكم..

ـ شيءٌ ما يتغيّرُ جِذريًّا!

لم تعُد في بلادنا حدودٌ للنقاشِ الوطني..

كل الناسِ يتكلمون..

في كل شيء يتكلمون..

لم تعُد للألسنةِ والأقلامِ حدود..

ولا وجُودَ لمحظورات، إلا في أذهنةِ ثُلّةٍ من مسؤولين غيرِ مُتتَبِّعين.. مسؤولين خارجَ الحَلَبَة.. وهؤلاء، في دَواخلِهم مُنهزمُون، عكسَ أخرين، هم في مستوى المسؤولية.. يُحسِنون قراءةَ الأحداث.. وقراءةَ أحلامِ مُجتمعٍ في كاملِ قواهُ العقلية، والوطنية.. وفي قمةِ الوعي.. والضمير..

وهذه هي أملُنا في تحديثِ بلدنا، لكي نكون نحن أيضا في مستوى العالمِ الراقي..

ونحنُ أيضا نستطيع، كما استطاعَ آخرون، أن نكُونَ في المستوى الحضاري المطلوب..

ـ شيءٌ ما يتغيّرُ جِذريًّا في بلادناَ!

لقد تكسرت الحُدود.. ومن لا يَعلم، سوف يَعلم.. إن بلادنا تتغيّر..

بلادُنا في طريقٍ سليم.. تتحرّرُ من قيودِ الصمت..

وفي المسيراتِ الاجتماعيةِ السلمية، تَسمعُ ما لم تسمع من قبل..

كلُّ شيء يُقال جهرًا.. وبوضوح..

وكلُّ الناس قد أصبحوا «أصواتَ رأي»، على وزْن «كُتّاب الرأي»..

حتى الأطفالُ لهم آراء مُتنوعة.. وكثيرا ما يَختلفون هنا، ويتّفقون هناك..

ويَصيحُون بما يَعرفون، في مَواقع التواصل الاجتماعي.. وأحيانًا، بالصوت والصورة..

التكنولوجيا المعلومياتية تُكسّر كلَّ جُدران التواصُل..

وكلُّ المعلومات تُسافر.. تَرحل.. تشُقُّ الحدود..

في رمشةِ عين تجُوبُ العالمَ شرقا وغربا..

وكلُّ الكوْكبِ الأزرق يَكون على عِلمٌ بما يَحدث في قريتي، وفي حيِّك أنت، وفي أيِّ مكان..

شبكةُ العنكبوت تُوحّد التواصلَ البشري، بكلِّ اللغات، وبكلِّ نبضاتِ الطموحاتِ والآمالِ والآلام..

كلُّ الـمَواجِع أصبحت لها مَنابر..

ولم تَعُد على الأصواتِ هيمنة..

ولم تَعُد للسلطات قُدرةٌ عمَلية لتوقيف حَناجر البشر.. وأحلامِ البلد..

كل شيء يُقال.. وبالصوتِ والصورة..

خرَج الناسُ من الصمت إلى العلَن..

ثورةٌ صوتيةٌ علَنية، وبتلقائية، ينجرُّ إليها الجميع..

انتهت هيبةُ العَصا والجزَرة..

انتهت هيبةُ الزّجر..

انتهت هيبةُ الحدود..

وهيبةُ المعتقلات..

وحتى هيبةُ التعذيبِ والاغتصابِ وراء الجدرانِ الحديدية..

طيورُ الكلام قد تَحررت من البوْح في الآذان، لتَنضَمَّ إلى الصُّراخ العلَني..

الظلمُ قد بات مكشوفا..

يراه حتى من في أقصى مكانٍ بكوكب الأرض..

العالمُ قد تقلّص..

أصبحَ قريةً صغيرة..

تَحققت المقولةُ القديمة الخالدة: «العالمُ قريةٌ صغيرة» و«العالمُ قريتي»!

ولم يعُد أحدٌ في العالم قادرا، مهما كان فظًّا غليظا، وجَبرُوتا طاغيا، أن يمنع طفلا ًمن أن يحلمَ بعدالة اجتماعية، ومن الحق للجميع، وأن يمنعَ القانونَ مهما كان مُختَلاًّ، أن يُطبَّق على الجميع.. حتى على من أَعدُّوه..

- الجميعُ تحت القانون.. بدون استثناء!

وكلُّ الفَوارِق تذُوب..

التعليمُ للجميع. وبالمجّان..

والصحة والشغل والعدالة، من حقوق الجميع..

ولم تعُد في قريتي فئةٌ عالية، وأخرى بأسفل.. كلُّنا أبناءُ الحياة..

والمرأةُ اكتسحت ساحاتِ الكفاح، من أجلِ الحياة.. انتَهت الفوارق.. المرأةُ تستعيدُ كلَّ حقوق الإنسان..

ولم يعُد في بلادنا من يَسرقُنا بتأويلاتٍ غيبية، وخرافاتٍ وخزعبلات..

فَكِّرْ كما شئت.. وبيننا قانونٌ مشترَك. هو الفيصلُ بيننا..

هكذا أصبحنا في رحابِ بلادِنا..

ولم يعد فينا أعلى وأسفل..

كلُّنا سواسيةٌ أمام الحقوقِ والواجبات..

ولا صوتَ فوق قانونٍ مشترك.. قانون يستند إلى مرجعيةٍ هي حقوقُ الإنسان، كما اتفقَ عليها العالمُ سنة 1948 بالأمم المتحدة..

ولا تفسيرَ للقانون إلا المرجعية الدولية..

وبلادُنا يجب أن تتخلص من أية تحفظاتٍ على القانون الدولي..

وكلُّ تحفظٍ هو يَضُرُّ ولا يَنفع..

يجب أن نتكلمَ جميعا لغةَ الحقوق والواجبات، بصفتِها المدنيةِ الكونية..

نحن إنسانٌ وطني ذو جذورٍ عالمية..

نحن أبناءُ الكون..

وبلادُنا جزءٌ من الكون..

وعلينا بالالتزام بامتداداتِنا الكونية.. الإنسانية..

وهذا وطنُنا.. بذرةٌ تستمدُّ الحياةَ من أبعادِها الكونية..

وما ينطبق على العالم، ينطبق علينا جميعا، على مستوياتِ الحقوقِ والواجبات ذاتِ الأسُس والأهدافِ الإنسانيةِ والطبيعية..

ومن يَحرق الغابة، يَقترفُ جريمةً يجب أن يعاقَب عليها.. جريمة ضد الطبيعة في بلدنا.. وضد الطبيعةِ الأوسعِ والأشمل: الطبيعة في العالم..

نحن جميعا أسرةٌ محليةٌ وطنيةٌ واحدة.. لا فرقَ بيننا في الحقوقِ والواجبات..

وهذه نحن نَعترفُ بها كلاما، ولا نُطبّقُها عمليا..

ما زلنا نعيش مع العالم بوجهيْن..

ومسؤولونا يَجدُون مَخارجَ ثانوية لإبعادِنا عن مَسْلكِها الأساسي، وهو مسلكُ حقوق الإنسان..

ومع ذلك، نحنُ نتكلم..

جميعُنا نتكلم..

وهذه خطوة مهمة..

وكل منا يساهم في نقاشاتِنا الوطنية حول مصيرِنا.. وحقوقِنا في تقريرِ المصير..

وليس للأرض وحدَها حقُّ تقرير المصير.. أحلامُنا أيضا لها حقٌّ في تقرير مصيرِها..

ما مصيرُ أحلامنا؟

ما مصيرُ حقوقنا؟

ولا نهايةَ للمشاركة الفِعلية في نقاشاتِنا السرّية والعلَنية حول مسارٍ وطنيّ إيجابي، إلى تكافؤ الفُرص، والاحترامِ المتبادل..

وكلُّ النبضاتِ الاجتماعية تحُوم في بلدنا حولَ الحقوق والواجبات..

ولا فرق في هذا بين نبضاتٍ هي في حياتنا العمومية والخصوصية، وفي أوساطِ معتقلين ننتظرُ أن يتمَّ إنصافُهم، وإرجاعُهم إلى حقهم في الحرية، لأنهم لم يَقترفوا جُرما عندما شاركوا في نقاشاتٍ عَلَنيّة من أجل تكسيرِ أصنامِ الظلمِ الاجتماعي..

لقد دخلت بلادُنا وقتًا لم يسبق له مثيل..

بلادُنا تتحررُ من أغلال الصمت..

لا صمتَ على الظلم..

لا صمتَ على القهر..

لا صمتَ على لصوص البلد..

بلادُنا تَسيرُ في اتجاه استقلالٍ جديد..

الاستقلال من استعبادِ الإنسان..

وأحبَّ من أحَبّ، وكره من كره، بلادُنا تستيقظ.. والجميع يتكلم.. والوعي ينتشر أكثر فأكثر..

وفي الوعي الوطني خطابٌ مشترَك: كلُّنا سواسية، في أسرة وطنية واحدة، تحت ظلال الأسرة الكونية المشتركة..

بلادنا تتحرر.. تستنشق هواءًا نقيًّا..

مِنْ أجلِنا جميعا..

وهذا الواقعُ الحِواري يقودُ إلى ما فيه مصلحةُ الصغير والكبير، ومن هو ابنُ البلد، ومن هو ضيف، أو مُقيمٌ في البلد..

الإنسانُ إنسان، ولا فرق في حقوق الإنسان، بكُلِّ ربوع بلادنا..

وما زلنا نَتحاوَر.. و نتَناقش في مُلتقياتنا الوطنية، وبالصوتِ والصورة، حول الأفُقِ الذي نريد عليهِ حياتَنا المشتركة، على أساس كل حقوق الإنسان..

ولا فرق في حقوق الإنسان، في كلِّ شبرٍ من بلادنا..

بلادُنا إنسان.. وإنسانية!

والنقاشُ في هذا لم يَتوقف، في خانةِ مزيدٍ من الحقوقِ والواجبات..

ما زال نقاشُنا الوطني مستمرا حتى وراء القُضبان..

وتحيةً لكلِّ برئ في سُجون العار، يَنتظرُ الحرية.. والحريةُ آتيةٌ لا ريبَ فيها..

لقد انكسر جدارُ الصمت: والحريةُ لكلِّ مُعتقلي المطالب الاجتماعية المشروعة!

ـ عِشْتَ يا بلدي، واقِفًا، وبشُموخ، في احترامٍ تامٍّ لكُلِّ مُقتَضياتِ حُقوقِ الإنسان!

ifzahmed66@gmail.com