يكثف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اجتماعاته ومشاوراته مع أطر إدارته من عسكريين واستخباراتيين ومسؤولين عن الأمن القومي بشأن ما يجب فعله في سوريا، ملوحا صراحة بأنه لا يمكن ترك الهجوم الكيماوي في دوما السورية يمر دون رد.

فما هو شكل الرد المتوقع؟

يؤكد معظم الخبراء أن الرد الأمريكي الغربي (إذا حدث) سيكون أكثر قوة من نظيره قبل سنة في مطار الشعيرات عقب هجوم خان شيخون، ويستدلون على ذلك بفرضية ووجوب أن تبعث واشنطن بإشارة قوية إلى النظام السوري بأنها تملك القدرة على قلب المعادلة على الأرض حتى وإن كان انخراطها في الأزمة أقل مما تقوم به روسيا وإيران.

ويذهب البعض إلى أن روسيا سوف تُخطر بالضربة رغم معارضتها الظاهرية لها؛ وذلك لتفادي أية خسائر روسية أو أي احتكاك عسكري أمريكي-روسي قد يجر العالم إلى حرب كونية.

أهداف الرد المتوقع؟

أعتقد أن أهداف الولايات المتحدة و"الغرب" من وراء أية ضربة عسكرية لا تستثني معطيات سياسية عدة، لعل أهمها هو العودة بالملف السوري إلى طاولة التفاوض وإرغام نظام الأسد على قبول حلول مرضية ومتوافق عليها من قبل كل الأطراف.

ففي ظل الانتصارات التي يحققها الجيش السوري-بدعم روسي إيراني-بدأت واشنطن تحس بأن واقعا جديدا يجري تكريسه على الأرض وأن السماح باستمرار هذه الانتصارات لا يخدم مصالحها ومصالح حلفائها في المنطقة. لذا وجب الرد، بل وكان يجب أن يكون هناك رد، بأي شكل من الأشكال حتى لو لم تقع مجزرة دوما.

الرسالة إلى النظام السوري لا تقل أهمية عن مثيلتها إلى الروس الذين يتمسكون بسوريا كآخر موقع استراتيجيتهم بالشرق الأوسط، لكن يبدو أن واشنطن لا تمانع في اقتسام الرقعة معهم، لكنها ترفض انفرادهم بها.

أما الرسالة في وجهتها الإيرانية فهي أكثر من مجرد تبطين سياسي؛ هي تحذير وقرصة أذن سوف يتبعها تصعيد أكبر تبدو ملامحه واضحة مع تولي جون بولتون مهمة إدارة مجلس الأمن القومي الأمريكي.

وللرسالة أهداف أمريكية داخلية مفادها التأكيد على القيادة (الصارمة) للرئيس دونالد ترامب في محاولة لإقناع الشارع (الناخب) بعودة الهيبة الأمريكية على المستوى الدولي، وهو من شعارات ترامب الانتخابية.

لن يكون الهدف من الضربة (إذا وقعت) هو إسقاط الأسد؛ فالروس يعارضون ذلك، لكن وبكل تأكيد الهدف هو التشديد على أن الخريطة السورية لن تكون للأسد وحده.

توقيت الرد؟

قبل سنة من الآن وحين كان الرئيس الأمريكي يستقبل ضيفه الصيني في منتجع مارولارغو بفلوريدا، بدأت صواريخ "التوماهوك" الأمريكية تدك مطار الشعيرات، ولم يسبق تلك الضربة أي تحرك ديبلوماسي بقدر ما يحدث اليوم. ولهذا الأمر معنى واحد هو أن واشنطن تريد أن يكون الرد هذه المرة تحت غطاء دولي حتى ولو لم تنجح في استصدار قرار من مجلس الأمن. فالخط الأحمر الذي وضعه ماكرون تم تجاوزه من قبل الأسد؛ لذلك فالدعم الفرنسي قائم ومؤكد. فيما لا يمكن تصور أي تأخر من قبل بريطانيا التي تريد للضربة أن تكون تحذيرا للروس في الظرفية الراهنة على وجه التحديد.

وفي خلاصة هذه القراءة السريعة أكاد أجزم بأن الضربة بدأت تحقق نتائجها السياسية (الأمريكية والغربية) حتى قبل أن تقع، وأن حدوثها رهين بمدى استجابة سوريا (روسيا) لفرضية الجلوس للحوار واقتسام أرباح ما بعد القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية والبدء في طرح تصورات مستقبلية للحل النهائي لهذا الصراع.

 

محمد سعيد الوافي*


 

*إعلامي مغربي أمريكي