إن الجامعات هي القيادة الفكرية والعلمية لكل امة وهي جسر مختلف دول العالم المتقدمة نحو منبع المعرفة و مكان الحصول على البحوث العلمية المتطورة،التي تفرز تكنولوجيا وتقنيات تعود عليها بالفخر من شبابها،وهي التي تقود المجتمع نحو الأفضل ،بل انعكاس للتطور والتقدم التكنولوجي والعلمي والأدبي على الرأسمال التربوي ،بل الجامعة هي مصدر القوة والنهوض بالشباب ليتخدرا من العلم سلاح ذو حدين لمواجهة التحديات وتحقيق الطموحات. أحببت في هذا المقال إن أشارك القارئ الكريم ،واقع الجامعات المغربية انطلاقا من التجربة الشخصية و من البحث في مختلف المصادر والتقارير حول الجامعات في المغرب الكبير والشرق الأوسط.

بعد حصول الطالب المغربي على شهادة البكالوريوس وبعد استكمال النمو العقلي ،وبعد أن امتحنت ذاكرته يظل باحثا عن ذاته متوجها صوب الجامعة أملا في النجاح، وكون التعليم العالي من بين الضروريات، بل هو حق من الحقوق المدنية التي يضمنها الدستور، لكن لم يكن يعرف أن الطريق الذي سلكه لم يكن محقا فيه، بل هناك مسارات مهنية يمكن أن توجهه إلى سوق الشغل كمعاهد التكوين المهني ،وان الجامعة المغربية تعيش في دوامة من المشاكل، تجعلها قاصرة عن القيام بدورها كما تؤديها الجامعات الغربية،ولم يكن يعلم أن الجامعة هي انعكاس للإشكاليات المجتمع الذي يعيش فيه، واهم هذه المشاكل كثرة خريجي وحملة الشهادات، بسبب التركيز على الكم دون الكيفية أو النوعية وجودة القدرات العقلية العلمية و العملية. بقليل من التمعن نجد أن الأغلبية الساحقة من الطلبة يتوجهون إلى الجامعة المغربية، ليس لقلة المدارس أو المعاهد العليا المتخصصة في طموحاته ،بل بسبب معايير القبول فيها ،إضافة إلى النظرة المرسخة في دهن الطالب اتجاه الجامعة، باعتبارها أماكن للتثقيف الذاتي والتطور الشخصي، ووجود تيارات فكرية وإيديولوجية مختلفة ،إلا أن الصورة الحقيقية وراء ذلك تعكس هذه النظرة ،فلو بدأنا بمشكل اللغة، حيث أن الدروس في الجامعة تلقى باللغة الأجنبية في حين أن الطالب يعاني من هيمنة العربية قبل البكالوريا، بل في معظم الأحيان جاهل لأبسط قواعد تلك اللغة -الفرنسية -سوءا في التعبير أو الصرف أو المعجم ،والإشكالية الأخرى تكمن في أسلوب التخرج وفي الطرائق التربوية من تقويم وامتحانات، نجدها مازالت تمتحن ذاكرة الطالب وقدرته على التلقين والحفظ عن ظهر قلب وغياب المحاكمة العقلية ،وهذا الأسلوب أصبح معتادا في بعض الكليات حتى أصبح قانون ينص على أن لا أجوبة ولا أسئلة خارج المقرر،ولا مكان للمقارعة الفكرية والأدبية والعلمية، وهذا جعل من الطالب آلة طباعة، يحتج كلما ظهر سؤال خارج المقرر و المدرس بدوره يجزي الذي أعاد له المقرر على أوراق بيضاء بالنقطة

الممتازة ،إذن الجامعة أصبحت معمل محاط بإطار تعليمي محدد سلعته الأعداد المتزايدة من خريجي وحملة الشهادات الجامعية ،استكملوا السنوات الجامعية كمقاعدي المعمل،ولا ننسى إن الكثير منهم توجهوا إلى الهذر الجامعي دون شهادة بعد أن تم رفضهم من قبل جامعتهم بدواعي عدم قدرتهم على النجاح في كل الوحدات خلال سنتين ،وقد تناولت أطراف الحديث مع احدهم عن السبب فوضح لي انه كان شغوفا بالبحث في الكتب والإنترنت، وخلال الامتحانات يجيب بما اكتسبه من بحثه ،إلا انه لا تقبل منه أجوبته وهذا يدل على وجود خلل في الديمقراطية التعليمية التعلمية. بالإضافة إلى مشكل الاكتظاظ الذي تعرفه الجامعة و الذي يخلق حاجزا لكل الموارد التربوية ،ناهيك عن تمركز الجامعات في المدن الكبرى وقلتها حوالي 12 جامعة بها 125 مؤسسة، ا ومن المؤسف أن نجد كليتين في جهة درعة تافيلالت وهذا يتنافى والجهوية المتقدمة.

بينما دول لها من الجامعات ما يجعلها قوة اقتصادية مثل تركيا 170 جامعة تحوي 4 مليون طالب في العام 1981 كان تصنيف الجامعات التركية 42 بين جامعات العالم في مجال البحث العلمي , أما في العام 2008 أصبحت تركيا في المرتبة 18 على مستوى العالم في البحث العلمي , وبهذا تقدمت تركيا وفقاً للتقارير و المعايير العلمية لقياس معدل التقدم في البحث العلمي. إن غياب رؤية إستراتيجية على المدى البعيد ووضع أهداف بتوصيف دقيق للإمكانيات والتحديات ،وقلة الموارد التربوية ووجود فجوة بين القدرات العلمية والعملية ،وعدم مواكبة التطور وسوق العمل، يجعل الجامعة المغربية تخاف الخوض في البحث العلمي على كل الأصعدة ومازالت تعتمد على نتائج أبحاث الجامعات الغربية لتدرسها ولنأخذ حقائق لا تقبل الجدل ، والسبب عدم الثقة في الطالب المغربي والإحباط، ووضع قيود على الحرية الفكرية وحرية التعبير، ولا ننسى الميزانية الممنوحة للبحث العلمي التي لا تسمن ولا تغني من جوع، والطريف في الأمر إن الخطاب الرسمي يتحدث باستمرار عن أهمية البحث العلمي الأكاديمي ودوره في التقدم ،دون منح اعتمادات مالية وتربوية مهمة له،وقد تملكتني الحيرة من جراء تفاقم أزمة التعليم العالي،الخطير في الأمر إن بعض كليات العلوم الحقة والحديثة، تعتمد على ما هو نظري ،حيث الطالب ينحصر فهمه ومعرفته في الدروس النظرية دون إن يلجا إلى التطبيق نظرا لقلة الإمكانيات والتجهيزات والوسائل التطبيقية والعملية، وهذا يجعل بعض الكليات تلجا إلى إعفاء الطلاب من الدروس التطبيقية والاكتفاء بالمحاضرات والدروس النظرية.

مما لا مناص منه أن الجامعة المغربية تحتاج إلى النظر بشكل جدي في واقع البحث العلمي ومن غير المقبول أن تظل الجامعة المغربية منقطعة عن عملية التنمية البشرية والاقتصادية والثقافية وان تصبح حاجز أمام التقدم والتطور، وان الحلول تكمن في تحمل المسؤولية التربوية،و إحداث قطيعة و أملاءات الساسة، وعلى رؤساء ومدراء الجامعات المحترمين نقدا وليس أمرا،بتشجيع الإبداع والابتكار و اصدر

بحوث علمية تحد من إشكالية ومشاكل المجتمع وتحسين الأداء ومعالجة الكم الهائل من حملة الشهادات الجامعية بتعدد الكفاءات، والتركيز على النوعية والكيفية لا على الكمية، والبحث عن شركاء لهم دراية وروح البحث العلمي، حتى نصل إلى الجامعة المغربية إلى المستوى المنشود والمضي قدما إلى دور تنويري،إبداعي ،ابتكاري،جمالي ،قيمي ،بل إلى نضج فكري ووضع حد للتبعية الغربية وهجرة الأدمغة التي تحدث نزيف داخلي للجامعة المغربية. وفي الختام فان للجامعة دور قيادي في شتى المجالات و الكل يتحمل مسؤوليته اتجاه العمل على الرقي بها إلى خلق نهضة فكرية وعلمية و حمل المشعل إلى التغيير، وان الطالب المغربي متميز ،وان النقد البناء إنما هو بداية الطريق وأملنا في التغيير لا يزال.



الغول خالد