ـ أملُنا كبيرٌ في قضاءٍ مُستقلٍّ نزيهٍ عادِل، سيدي القاضي!

وألاَّ يَتدَخَّلَ أحد، من الأعلى أو الأسفل، في مِلفَّاتٍ عليكَ أنتَ وحدَك، أن تَفصِلَ فيها.. وكانَ اللهُ في عَونِك..

مَسؤوليتُك جَسيمة، أمام الأرضِ والسماء..

مَسؤوليةٌ ذاتُ أثَرٍ مُباشِر على المواطنِ والوطنِ والدولة..

جسيمةٌ تَرتبط بالعدل والقِسطاس.. وبحُقوقِ الإنسان.. وبالإنسانيةِ جمعاء.. وبالطبيعة.. وكلِّ الحياة..

ـ «العدلُ أساسُ الـمُـلك»، هكذا صدَحَت المقولةُ الخالِدة..

وهو أيضًا، أساسُ الحَضارةِ والأمنِ والاستقرار.. والمدَنيةِ والأصالة..

وهذا يَستوجبُ استقلاليةَ القضاء، ومُواكَبةً للتّطوراتِ المجتَمَعية، ولبناءِ الدولة..

دولةِ الحقِّ والعدل..

دولةِ الديمقراطيةِ الحقّة..

دولةِ الحقوقِ والواجبات..

دولةِ المؤسّسات..

مسؤوليتُك جسيمة.. وعليهم أن يَبتعدُوا عندك، ويتركُوك تَشتغل.. وعندما تَسمَع، فإلى واحدٍ فقط، لا ثاني له، هو: ضميرُك، سيدي القاضي!

نحنُ الناسُ البُسطاءُ نَعْلَمُ جيّدا أن فيهم من لا يُريدون لك استقلاليةَ الفصل..

وهؤلاء لن يطُولَ عَبثُهم..

البلادُ ليست خالية.. فيها عُقلاء.. حُكماء.. جادّون.. نُزهاء..

وهؤلاء أيضا، مثلَ جُلّ المواطناتِ والمواطنين، يَنتفضُون من أيِّ إزعاجٍ في مُحيطِ سيادةِ القاضي..

نحن مُنزعجون من أيِّ إزعاج..

- دعُوا سيادة القاضي في هدوئِه وتركيزه، كي يُصدر أحكامًا فاصلة، عادِلة..

ولكي يكُونَ أعدل، كما جميعُنا نتمنّى، يتوجبُ ألا ننسى مكانةَ العدلِ في بناءِ أيةِ أمة، وأيةِ حضارة، وأيةِ بلاد، وأيِّ مُجتمع..

ومن حقنا أن يكُون أخوفُ ما نَخافُه، هو أيُّ اختلالٍ في منظومةِ العدل..

- احكُموا بين الناسِ بالعدل!

إنه ربُّ العالمين يُخاطبُ من يَحكمون..

القضاءُ هو صمّامُ الأمان..

هو الأمن.. هو ميزانُ الحقوقِ والواجبات..

هو ضمانُ الاستقرار.. ومن ثمة هو طريقُنا إلى التنمية.. تنميةِ البشر.. وتنميةِ المكانِ والزمان..

فشُكرا لك سيدي القاضي، على أيِّ مجهودٍ تَبذُله من أجل عَدالةِ العدالة..

والعدالةُ هي مَطمَحُنا جميعا.. العدالةُ تعنِي كلَّ البلد.. وحتى سيادةَ القاضي، وأسرةَ سيادةِ القاضي، وكلَّ محيطِ سيادةِ القاضي..

جميعُنا مَعنيُّون بعدالةِ القضاء..

ومعنيُّون بأن تتطهَّر الطريقُ إلى القضاء، من السماسرة، وباعةِ الحقوق، وتُجارِ الواجبات..

ولا نتمنّى إلا أن يَنجحَ سيادةُ القاضي في فرضِ هيبةِ العدالة..

العدالةُ وحدَها تُطهّر البلادَ من السّماسرة والانتهازيين واللصوص، والمتحايِلين على الحقوق..

ونحن اليومَ في مرحلةٍ دقيقة..

بلادُنا تُعاني من فيروساتٍ هنا وهناك وهنالك.. ومَحاكِمُنا أحوجُ من أيِّ وقت مضى إلى تجهيزاتٍ وأدواتٍ وبِنايات، وأكثرَ من هذا، إلى استقلاليةِ العَمل..

- الرَّفضُ ثم الرَّفضُ لأي تدخُّل في العدالة!

وعلينا جميعا أن نَحمِي العدالةَ بقلوبنا وعقولنا وأرواحنا لكي تكون عدالتُنا كما تريدُ العدالة، وهو أن تكون وتبقَى عادِلة..

وعلينا جميعا بمساندةِ القضاء، لكي يكون قضاءًا مُستقلاًّ عن أي تدخُّل، من أية جهة..

ولكي يتحقق العدلُ المنشود، يجب أنْ نسترقَ السمعَ إلى نَبضاتِ القُضاة..

ومن المشاكل التي تُعرقل تحقيقَ العدلِ المطلوب: عدمُ تنفيذِ الأحكام.. وبعضُ مؤسساتِ الدولة لا تُنفذُ الأحكام.. وهذا يَضرُّ بسيْرِ العدالة..

وعندنا أيضا إشكاليةُ القوانين.. التشريعاتُ فيها خلَل.. يجب أن يُعادَ فيها النظر..

وفي بعضِها تناقُضات..

والمشكلُ قادمٌ من مَصدَريْن: الحكومة والبرلمان.. كلاهُما يتَصدّران قوانينَ لا تَخدُم كلُّها الحق، بقدر ما تَخدُم مَصالحَ فئاتٍ دونَ أخرى..

مُشكلُ التشريعاتِ مُشكلٌ كبير..

ويَتوجب مُراجعةُ التشريعات، وخاصة منها التي تسرَّبت إلى المنظومةِ القانونية في عهدِ الحكومة السابقة والحالية..

ومن هذه القوانين: قانونُ الصحافة والنشر...

هذا يَعودُ بنا إلى ما قبل ظهير 1958 للحُريات العامة.. إنه التّراجُع!

وإلى هذه العراقيل: كثرةُ الملفات، وقلّةُ القُضاة، والبُطءُ في التقاضي..

إضافةً إلى قاعاتِ المحاكم التي تتطلبُ إعادةَ إصلاحٍ وترميمٍ وصيانة، وإلى تجهيزاتٍ تُلائمُ العصر..

والأخطرُ من كل هذا، تَكدُّسُ سماسرةِ الرشاوَى في مَمرّاتٍ هنا وهناك، للتأثيرِ على سيرِ العدالة، وإتلافِ بعضِ الوثائق..

وهذا يُسئ لكفاءاتٍ نزيهةٍ لا تُطالب إلا بقضاءٍ يَسمحُ بعملٍ جادّ في مستوى العدالةِ المطلوبة..

وما هو أخطرُ من كل هذا، تدخلاتٌ من هنا وهناك، ومن بعضِ المؤسسات، وبعضِ الوُجَهاء، في مُحاولاتٍ للتأثيرِ على القضاء..

وقضاؤنا لا يَتمنّى إلا أن يَكُون له مناخٌ صحّي للفصلِ العادلِ في الملفّاتِ المعروضة..

ونفس ُالمناخ الصحي مطلوبٌ أيضا للمِهَنِ المشارِكةِ في عَملِ المحاكم: المحامي، الخبير، العوْن، الترجمان، وغير هؤلاء.. كلُّهم بحاجةٍ إلى بيئة سليمة في تعامُلاتهم القَضائية..

عندنا كفاءاتٌ جادّةٌ في مُؤسساتِ العدالة، وفي المهَنِ المواكِبَة، ولكنَّ العراقيلَ أيضًا كثيرة..

- كان اللهُ في عونك، سيدي القاضي!

العراقيلُ كثيرةٌ وواضحة..

وأصحابُ القرار، في مؤسساتِ الدولة، هم أولُ من يجب أن يَبتعدُوا عن المحاكم، وهَواتفِ المحاكم، لكي يَشتغلَ القضاءُ ويَفصلَ بالعدلِ في قضايا الناس..

ولكي يَكُونَ الفصلُ في مُستوى العدالةِ المطلوبة..

ولا نقبلُ أيَّ تواطؤٍ من هنا أو هناك، قد يُسئ للمَسارِ الطبيعي والنزيه، لقضائِنا الوطني..

- اتركُوا القضاءَ يَشتغل!

 

أحمد إفزارن


 

ifzahmed66@gmail.com