* ترامب يميط اللثام بالكامل عن موقف الولايات المتحدة الحقيقي إزاء القضية الفلسطينية ودون مكياج خلافا لغيره من الرؤساء الأمريكيين، ويعترف بالقدس عاصمة لاسرائيل وينقل السفارة إليها في 14 مايو/ايار، أي في الذكرى السبعين لقيام الكيان الصهيوني.
* ترامب يسقط ملف القدس عن طاولة المفاوضات وهو أحد الملفات الستة التي تركت لمفاوضات الحل النهائي… بقية الملفات هي الحدود، والمستوطنات، والمياه، واللاجئون، وحق العودة، والدولة.
* ترامب يدعو الدول الأخرى أن تحذو حذو إدارته.
* ترامب يتخذ خطوات عملية لإسقاط ملف اللاجئين وذلك من خلال تقليص المساهمات الأمريكية لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا»، كخطوة أولى نحو إلغاء هذه الوكالة توطئة لإزالة ملف اللاجئين عن طاولة المفاوضات أيضا.
* ترامب يسقط أيضا ملف الاستيطان وذلك بغض الطرف عن البناء الاستيطاني الذي لم يسبق له مثيل، فحتى من باب المجاملة لم يصدر عن إدارته إدانة أو حتى انتقاد من بعيد يعطي لنفسه المصداقية كوسيط، ولكنه في غنى عن هذه المصداقية وليس بحاجة إليها أمام وهن الوضع العربي الذي ترك الفلسطيني مكشوف الظهر… ليس هذا فحسب بل إن بعضهم يشارك في محاصرته ودفعه نحو الاستسلام والموت الزؤام.
* ترامب وإمعانا في التحدي، يعين سفيرا يهوديا لبلاده في إسرائيل ولا نعترض على ذلك فهو ليس الأول ولن يكون الأخير… لكن هذا السفير ليس سفيرا عاديا بل سفير مستوطن… هل سمعتم عن سفير مستوطن؟ إنه ديفيد ليبرمان الذي يحاول حتى أن يغطي على ولائه للمستوطنين ويستخدم مصطلح «أرض محتلة مزعومة» في وصفه للضفة الغربية ويصف البناء على الأرض الفلسطينية، بناء على أرض الآباء والأجداد.
* ترامب وفي إطار الضغط على السلطة يصادق على ما يسمى قانون «تيلور فوريس» بعد إقراره من الكونغرس وهو القانون الذي يجمد المساعدات المالية للسلطة الفلسطينية وقدرها 300 مليون دولار، إلى أن توقف دفع مخصصات لعائلات الشهداء والأسرى. وأطلق على هذا القانون اسم «تيلور فوريس» نسبة إلى جندي أمريكي خدم في العراق وافغانستان وقتل بعملية طعن نفذها فدائي في تل أبيب في أغسطس/آب2017 .
* ترامب وعبر سفيره، الذي عمل محاميا لدى شركاته في قضايا الإفلاس، تصل الوقاحة بهما إلى تهديد الرئيس أبو مازن علانية «إن لم تقبل بالعودة إلى المفاوضات مع إسرائيل وأوجدت فراغا فيها فسنبحث عن بديل ملائم غيرك يملأ هذا الفراغ»… وهل يلام أبو مازن بوصفه للسفير بـ «ابن الكلب».
* مبعوث ترامب للشرق الأوسط جيسون غرينبلات وهو أيضا من طينة فريدمان، يهاجم في تغريدة على «تويتر» حماس ويتهمها بتشجع مسيرة عدائية على الحدود بين إسرائيل وقطاع غزة واصفا المسيرات السلمية بالتحريض على العنف ضد إسرائيل مما سيفاقم المصاعب ويضعف احتمالات التوصل إلى اتفاق سلام مزعوم، حسب قوله.
هذه هي السياسة الأمريكية إزاء القضية الفلسطينية منذ وصول ترامب إلى البيت الأبيض، وهذه هي الخدمات التي يقدمها صديق لصديقه… إنها أفعال لا أقوال.
في المقابل ما الذي يقدمه الأصدقاء والأشقاء للفلسطينيي؟ إنهم يقدمون لهم أجمل الكلام وأعذبه وما يحب أن يسمعه… كلام يطرب الاذان ويساعد على «الرخيان» كما يساعد على النسيان، نسيان الورطة الحقيقية التي يعيشها الفلسطينيون. دول العالم ترفض قرارات ترامب بشأن القدس. دول العالم تطالب ترامب بالتراجع عن قراره.
دول العالم بأغلبيتها (حوالي 130 دولة) بما فيها الدول الأوروبية الرئيسية، صوتت في الجمعية العامة لصالح قرار يرفض إجراءات ترامب في جلسة عقدت تحت بند «متحدون من أجل السلام» وهو البند الذي لجأت إليه واشنطن بعدما فشلت في مجلس الأمن بسبب الفيتو الروسي في قضية الكوريتين عام 1953 ونفذت الولايات المتحدة القرار، ورفضت الالتزام به فلسطينيا وغيرها لم يحرك ساكنا. دول العالم تدين الاستيطان باقسى الكلمات والعبارات. دول العالم تستبقل أبو مازن استقبال كبار الزعماء. دول العالم مقتنعة بحل الدولتين كما هي مقتنعة بأنه لا حلا بديلا لها وبأن إسرائيل هي العائق أمام تحقيق هذا الحل. 
لكن هذه الدول نفسها ترفض الاعتراف بدولة فلسطين رغم قرار الجمعية العامة الذي صوت لصالحه أكثر من 138 دولة في عام 2012 ويعترف بدولة فلسطين في حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. هذه الدول ترفض اتخاذ خطوات عملية لمعاقبة دولة الاحتلال.
هذه الدول نفسها، أو لنقل المانيا وفرنسا، ترفضان بمعزل عن واشنطن قيادة «ائتلاف سلام دولي» دعا إليه أبو مازن في خطاب أمام مجلس الأمن الدولي في شهر فبراير/شباط يرفض فيه أي مفاوضات ترعاها واشنطن باعتبارها وسيطا غير نزيه. وأقصى ما وعدتا به أبو مازن عبر وزيري خارجيتهما، محاولة إقناع واشنطن بتأجيل طرح «صفقة القرن « وإجراء تعديلات جوهرية عليها تلبي المطالب الفلسطينية… صفقة وفق ما سرب منها مرفوضة فلسطينيا رفضا قاطعا رغم الضغوط والتهديدات التي تمارسها واشنطن ودول عربية على أبو مازن لقبولها.
فماذا يستخلص من كل هذا؟
أولا إن الدول الغربية، لا سيما دول الاتحاد الأوروبي الرئيسية، لن تخرج من دائرة واشنطن في قضية واحدة فقط… قضية فلسطين.
ثانيا إن هذه الدول عاجزة عن اتخاذ خطوات عملية ضد دولة الاحتلال. ثالثا إن هذه الدول تلعب دور المسكن للفلسطينيين عبر الوعود الفارغة وبعض المساعدات المالية التي تقدم للسلطة بالقطارة كما يقال. وهذه الدول تريد الإبقاء على الوضع القائم. رابعا إن الاوروبيين، خاصة بريطانيا، المسؤولين مسؤولية مباشرة عن الجريمة التي حلت بالفلسطينيين، بوعودهم الفارغة يحاولون منع أي انفجار محتمل للمشكلة… انفجار تصل تداعياته إلى خارج الحدود الفلسطينية ويخرج عن إطار السيطرة. والدليل على ذلك ما كتبه موسى أبو مرزوق عضو المكتب السياسي لحماس، على حسابه في «تويتر» «اتصل بي أكثر من مسؤول غربي ناصحا بوقف مسيرة العودة لعدم زيادة التوتر والتصعيد على حدود قطاع غزة». وتأتي في هذا السياق أيضا زيارة وزيرا خارجية المانيا هايكو ماس وفرنسا جان إيف لودريا لرام الله. وحسب ما قالت مصادر فلسطينية فإن السبب الحقيقي للزيارة هو «تخفيف الاحتقان» القائم بين القيادة الفلسطينية والإدارة الأمريكية، ومنع أي تصاعد للخلاف، قد يؤدي إلى تعقيد الموقف في المرحلة المقبلة.
ووسط كل هذه المعمعة ما هو المطلوب فلسطينيا؟
لا بد للفلسطينيين أن يعتمدوا استراتيجية هجومية حسب ما قاله الدكتور علي الجرباوي، استراتيجية تستند على غياب تسوية سياسية. خلط الأوراق في المنطقة من زاوية علي وعلى أعدائي ولا تنقص الفلسطينيين الخبرة، ولا تزال أوراق كثيرة بين أيديهم ستأتي بنتائج إيجابية إذا ما أحسن استخدامها. ترتيب البيت الفلسطيني… في مقدمتها إحياء المصالحة وإنهاء الانقسام والقفز على الخلافات وحتى على محاولة اغتيال رئيس الوزراء ومدير المخابرات في غزة… 
عقد المجلس الوطني باجماع وطني ما أمكن.
تصعيد المقاومة بكل أشكالها الشعبية السلمية وغيرها.
تشكيل اللجان الشعبية لحماية القرى من اعتداءات المستوطنين على القرى وممتلكاتها.
تنفيذ قرارات المجلس المركزي الفلسطيني التي أصبحت كما يبدو نسيا منسيا… وفي مقدمتها وقف التنسيق وتعليق الاعتراف وتحديد مستقبل السلطة إلى آخره من القرارات وهي كثيرة ومؤثرة إذا ما طبقت.
وهذا، إذا ما تم، سيعيد بناء الثقة بين الشارع الفلسطيني وقيادته وإطلاق العنان للشعب الفلسطيني.
التوجه بقوة للمؤسسات الدولية مثل محكمة الجنايات الدولية. الإمساك بزمام الأمور كما كان الوضع في الماضي ليس البعيد. وأخيرا الجميع يدرك أن جميع الإجراءات الأمريكية خارجة عن القانون الدولي ولن تخلق حقاً ولن تنشئ التزاماً من الناحية النظرية ولكن كل القرارات الدولية تظل في غياب آليات التنفيذ حبرا على ورق ومجرد كلمات يتغنى بها الضعيف. 
وأختم بالقول إنه مما تقدم فإن إسرائيل تحصل على الأفعال الأمريكية الداعمة والمرسخة لعدوانها واحتلالها واستيطانها وعنصريتها، أما الفلسطينيون فلهم الأقوال من الدول الأوروبية «الصديقة» وبعض الفتات الذي لا يسد حتى الرمق ولا يغطي تكاليف الاحتلال… ولكن هذا الوضع لن يبقى ولا يمكن أن يبقى وسينتفض الفلسطيني كما عودنا دوما على مدى قرن من الزمان في اللحظات الحرجة ولن يقبل بهذا الحال المايل. وأول الغيث قطرة في مسيرات العودة في قطاع غزة.


علي الصالح