ربما سيسجل التاريخ للرئيس الأمريكي دونالد ترامب علامة فارقة في توتير الأجواء السياسية الدولية. فمنذ أن جاء إلى السلطة بدأت حالة من الغليان البطيء يشهدها العالم من خلال أحداث سياسية عديدة. من الواضح أن وراء ترامب قوى يمينية متشددة من المحافظين تهيء له نوعا من الانزلاق تجاه قرارات تميل إلى التشدد، فيسارع الرئيس إلى اتخاذها. مثلما يقال «بجرة ّقلم» أقال وزير الخارجية تيلرسون وبطريقة مهينة يخجل مسؤول صغير من ممارساتها، فكيف برئيس دولة عظمى؟ لم يستطع ترامب التصديق أن انتقاله من إدارة رأسمال إلى إدارة دولة يفرض عليه تغيير ممارساته وأسلوبه. المهم أن كل الذين أقالهم كانوا قادرين على ترميم هفواته! هل هذه صدفة؟ بالطبع ،لا ! فالتغييرات كانت مقصودة من قوى تقف خلف الرئيس، وتحديدا المجمع الصناعي العسكري واللوبي الصهيوني بالتأكيد، فالأول لا يستطيع العيش دون توتر دولي وحروب إقليمية، والثاني تدفعه إسرائيل دفعا لإقناع الرئيس بفرض التسوية للقضية الفلسطينية على الفلسطينيين والعرب والإتيان بمسؤولين صهيونيي التوجهات.
إن بين آخر ثلاثة عينهم ترامب: بومبيو كوزيرللخارجية، بولتون كمستشار للأمن القومي، وجينا هاسيل كمديرة للمخابرات المركزية قواسم مشتركة كثيرة: الوقوف بحزم ضد روسيا، توجيه ضربة عسكرية إلى كل من كوريا الشمالية وإيران، والانفكاك من الاتفاق النووي الإيراني، عشق الصهيونية وتأييد إسرائيل الأعمى، إجبار الفلسطينيين والعرب على قبول ما تمليه عليهم، الكره الشديد للعرب والمسلمين، الحد من الهجرة إلى الولايات المتحدة، وقف الدعم عن الفلسطينيين، التخلص من مفهوم اللاجئين الفلسطينيين.التمسك بالتواجد الأمريكي في سوريا. 
أما بالنسبة للسيدة هاسبل، فمعروف عنها ممارسة التعذيب الشديد للسجناء العراقين في سجن «أبو غريب». وقد سبق أن أدارت هاسبل سجنًا سريًا للوكالة في تايلاند يطلق عليه اسم «عين القط» عام 2002. وكان يضم عددًا من عناصر تنظيم القاعدة، وكان تقرير للجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ حول أساليب التعذيب،التي ارتكبتها (سي آي إيه)، كشف عن أن المعتقلين في ذلك السجن السري قد تعرضوا لأساليب تعذيب منها «الإيهام بالغرق»، فضلًا عن استخدام أساليب غير مصرح بها. كما تتحدث تقارير عن مسؤوليتها عن إصدار أوامر بتدمير فيديوهات خاصة باستجواب السجناء في سجن الوكالة ذاتها. وفي 8 فبراير/شباط 2017، دعا العديد من أعضاء لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، الرئيس ترمب إلى إعادة النظر في تعيين هاسبل نائبة لمدير الوكالة بسبب تاريخها في التعذيب، حسب صحيفة «ذا هيل» الأمريكية. ووفقًا لصحيفة «واشنطن بوست»، فإن الإعلان عن تعيينها مديرة لـ (سي آي إيه) لاقى معارضة على الفور من جانب عدد من المشرعين الأمريكيين، وجماعات حقوقية بسبب دورها البارز في ممارسات التعذيب المنسوبة للوكالة. أيضاً، بالنسبوة لبولتون فقد صرّح شاؤول موفاز وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق (منذ بضعة أيام) أن بولتون حاول مرارا إقناعه بمهاجمة إيران عسكريا، في مرحلة وجوده مندوبا لأمريكا في الأمم المتحدة. بشكل عام هناك شبه استياء دولي وإقليمي وعربي وفلسطيني من التغييرات الأمريكية الأخيرة، الوحيد الذي رّحب بخطوة ترامب، هو وزير الخارجية السعودية، بل على العكس أشاد بكفاءاتهم العالية! 
بالفعل، إننا نعيش أجواء حربٍ باردة، فقضية تسميم العميل الروسي المزدوج وابنته في بريطانيا، أثارت ردود فعل شديدة من قبلها و14 دولة أوروبية غربية ، إضافة إلى أمريكا وكندا وأوكرانيا، فقامت هذه الدول بطرد 107 من الدبلوماسيين الروس من أراضيها، وهذا النمط من ردود الفعل يحدث لأول مرّة من قبل هذا الكمّ من الدول ضد روسيا، الأمر الذي يذكّر بأجواء ما قبل انهيار الاتحاد السوفييتي ودول المنظومة الاشتراكية. هذا التوتر سيسبب مزيدا من تسميم العلاقات بين روسيا من جهة وبين أوروبا وأمريكا من جهة أخرى. لطالما هددت الولايات المتحدة من خلال ترامب والمندوبة الأمريكية في مجلس الأمن نيكي هايلي بضرب قواعد الجيش السوري، ذلك، بعد كل حادثة استعمال أسلحة كيماوية، حتى قبل التحقيق في من الذي استعملها! من ناحية أخرى كان الصحافي الأمريكي الشهير سيمور هيرش قد كشف عن خطة الاستخبارات المركزية الأمريكية في سوريا، وقد تلخصت الخطة في مشروع للولايات المتحدة وحلفائها يقتضي تدمير سوريا خدمة لأهدافها، حتى وإنْ أغرقت سوريا ومعها المنطقة بالدماء، وهو ما يؤكده الصحافي المحقق سيمور هيرش الذي أكد أن واشنطن عملت على شن هجوم كيماوي في سوريا لتحميل المسؤولية لدمشق، تمهيدا لشن عملية عسكرية ضدها على غرار الضربة، التي وجهت إلى قاعدة الشعيرات الجوية. من جهته هدد رئيس هيئة الأركان النائب الأول لوزير الدفاع الروسي فاليري غيراسيموف بأن روسيا لن تضرب فقط الصواريخ التي ستحاول مهاجمة سوريا بل حتى المنصات التي انطلقت منها. في السياق ذاته كان إعلان بوتين عن صواريخ حديثة تملكها روسيا في خطاب له قبيل الانتخابات الرئاسية الأخيرة، التي فاز فيها بنسبة 76%، وهي نسبة لم يفز فيها مطلقا لا رئيس أمريكي ولا غربي سابقا، ما يعني أن الشعب الروسي يقف وراء سياسات بوتين.
بالنسبة للصراع العربي – الصهيوني تحديدا، فكاتب هذه السطورمثلما يتحفظ على وجود صقور وحمائم في إسرائيل، فإنه يتحفظ على الظاهرة ذاتها في الولايات المتحدة، فمنذ إنشاء الدولة الصهيونية فإن كل رئيس أمريكي يحاول إثبات أنه الأخلص لها. لقد وافق ترومان في عام 1948 على تشكيل إسرائيل على 78% من مساحة فلسطين بالرغم من أنّ اليهود امتلكوا 7% من أراضيها فقط، وبالرغم من تجاوزها نسبة 57.3% من الأرض التي خصصها لها قرار التقسيم رقم 181 (29 نوفمبر/تشرين الثاني 1947) وبالرغم من رفضها لقرار الأمم المتحدة 194 (11 ديسمبر/كانون الأول 1948) بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، وبالرغم من ربط الأمم المتحدة قرار الاعتراف بدولتها بموافقتها على إعادة اللاجئين، لم يجر تنفيذ أي قرار! تكرر تأييد إسرائيل الأعمى من كل من الرؤساء أيزنهاور، كينيدي، جونسون، نيكسون، فورد، كارتر، ريغان، بوش الأب، كلينتون، بوش الابن، أوباما وترامب.
لقد قدّمت الولايات المتحدة لإسرائيل منذ عام 1948 حتى عام 2017 ما مجموعه 147 مليار دولار بحسب التقديرات الرسمية، إلا أن تقديرات أخرى تقول إنه وصل إلى نحو 270 مليار دولار. وفي العقد الذي سيبدأ ابتداء من عام 2019 قررت الولايات المتحدة تقديم 38 مليار دولار لإسرائيل على مدى عشر سنوات. لقد استعملت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) 42 مرّة في مجلس الأمن لصالح إسرائيل. كما تحرص واشنطن على استمرار تفوّق تل أبيب عسكرياً واقتصادياً في الشرق الأوسط. وبفضل الدعم الأمريكي أصبحت صناعة الأسلحة الإسرائيلية واحدة من أقوى الصناعات في العالم، فبين عامي 2001 و2008، كانت تل أبيب سابع أكبر مصدّر للأسلحة عالمياً، حيث باعت معدّات بقيمة 9.9 مليار دولار، وفي عام 2016 باعت إسرائيل بما قيمته 5.7 مليار دولار من البضائع العسكرية إلى دول أخرى. وبنظرة أخرى فإن دافعي الضرائب الأمريكيين يمنحون إسرائيل 11 مليون دولار في اليوم. ثم لا تنسوا ورقة الضمانات الاستراتيجية الأمريكية التي قدمها جورج بوش الابن عام 2004 لإسرائيل.
من جهته أشاد رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو بتمرير الحكومة الأمريكية قانوناً يعلق المساعدات المالية للفلسطينيين على خلفية المكافآت والرواتب التي تدفع لعائلات الأسرى والشهداء الفلسطينيين وأدرج قانون تايلورفورس، ووصف نتنياهو القانون «بالإشارة القوية التي تغير القواعد من قبل الولايات المتحدة عن طريق قطع 300 مليون دولارعن السلطة الفلسطينية التي تستثمر في تشجيع «الإرهاب». باختصار، أمريكا وحليفها الصهيوني وداعموهما يريدون لعائلات الشهداء والأسرى الموت جوعا! جدير ذكره أن أمريكا خفضت من حجم المساعدات التي تقدمها لوكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا». في الختام كفاكم ولولة حين يتم تعيين صقر جديد في الإدارة الأمريكية، فهذه هي حقيقة أمريكا!.

 

كاتب فلسطيني : د. فايز رشيد