في مبادرة غريبة، وبُعيد عودته إلى الاتحاد الإفريقي، تقدم المغرب بطلب الانضمام إلى المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إكواس ECOWAS أو سيدياو CEDEAO). خلاّقية المسعى المغربي تُعزى على الأقل إلى عاملين؛ الأول أن المغرب لا ينتمي إلى تلكم المنطقة، كما أن انسحاب موريتانيا سنة 2000 قطع أي اتصال جغرافي بينه ودول المجموعة. أما العامل الثاني فهو غياب أي استشراف في ميثاق المنظمة لقبول عضو جديد عكس حالة الطرد وتعليق العضوية؛ وكأن المجموعة لا ترغب في أي وافد غريب.

على العموم حظي طلب المغرب بالموافقة المبدئية في انتظار بحوث ودراسات كُلِّفت بها مفوضية "الإكواس". أول هذه الدراسات نشرت شهر أكتوبر المنصرم وكان عنوانها:

Étude d Impact Sur Les Implications de l Adhésion Du Maroc à La Cedeao

ودون التوقف كثيرا عند الشكل الغريب الذي تزيَّت به هذه الوثيقة من حيث غياب أي إشارة إلى الجهة المشرفة عليها، إلّا أنه يُشتم منها جنوح إلى الترحيب بالمغرب كعضو جديد في المجموعة الإفريقية.

الدراسة الإفريقية الأولى تلَتْها شهر يناير من هذه السنة دعوة اقتراحات (A call for proposa) وجِّهت إلى مراكز الدراسات Think Tanks المنتمية إلى الدول الأعضاء لتقييم العلاقة التجارية والاستثمارية بين المغرب وبعض بلدان المنطقة، وهي نيجيريا، غانا، ساحل العاج، السنغال، مالي وتوغو. وقد نُشرت الوثيقة تحت عنوان:

Analysis of Economic Relations between Morocco and selected ECOWAS Member States: Trade and Investment.

هذه الدعوة تضمنت استهلالاً مستفيضاً عن حيثيات إصدارها، ويشتم منها النفَس ذاته تجاهَ المغرب، أي الترحيب بالعضوية. وقد استشهد مدبِّجوها بمقالتين تزكِّيان ضِمناً طلب المغرب، وهما:

-AbiNader, R (2017) “ Oxford Busniess Group Makes the case for Morocco Membership in ECOWAS”

-TRALAC(2017) “ECOWAS: Stepping stone for Morocco to Conquer Africa”

كمْ كنّا سنُكبر هكذا مبادرة من الجانب المغربي.. دعوة أو دعوات تُوجَّه إلى النخب الوطنية وكل القطاعات التي يُحتمل أن تتأثر بانضمام المغرب إلى الإكواس.. تُفتح أوراش للنقاش وتُعقد الندوات وتُستنفر الأقلام لإبراز إيجابيات وسلبيات هذه الخطوة الخطيرة التي بدأها بلدنا.

وإذا كانت حرقتنا على بلدنا تتمظهر غالباً بعقد مقارنات بينه وبين دول أخرى نحسبها أكثر تقدماً، فها نحن الآن نحس بنوع من الغيرة أو الغبطة تجاه جمهورية السنغال، حيث إن ائتلافا كبيرا من المقاولات والأكاديميين كانوا قد عكفوا على إجراء بحث شامل حول آثار انضمام المغرب على دولتهم، فخلصوا إلى أن المبادرة المغربية مثل الخمر، فيه ضرر ومنافع للسنغاليين، وضرره أكثر من نفعه.

ما غبطنا السنغاليين لما آلتْ إليه مشاوراتهم، بل للوعي الذي أبدوه دفاعاً عن مصالحهم ولمساهمة شرائح مختلفة في إثراء النقاش حول قضية تتدثر بأهمية بالغة.

لن ندَّعي أننا قلبنا كل حجر في المغرب وتصفحنا كل الجرائد فلم نسمع عن لقاءات ومشاورات في هذا الموضوع؛ بل سنعترف بمحدودية اطِّلاعنا وندرة ما وصلنا إليه في هذا الباب، لنستأنس بما تعوَّدنا عليه من استئثار بأخذ المبادرات ولنخمِّن أن القرار اتَّخذته دائرة ضيقة في غفلة من الشعب.

وحين نتكلم عن مشاورات فالأكيد أننا لا نعني مونولوغات تُشرِف عليها المندوبية السامية للتخطيط، ولا حملات إشهارية يقوم بها معهد أماديوس. نعني بالمشاورات حججاً تتجابه وأرقاماً تتناطح ولا صوت يعلو على صوت المصلحة العليا للوطن.

نعم كلنا صفقنا للزيارات الملكية إلى دول غرب إفريقيا، وكلنا ساندنا عودة الأسد إلى عرينه الإفريقي. كلنا فرحنا للسمعة الطيبة التي يتمتع بها ملكنا في إفريقيا وللاتفاقيات الثنائية التي وُقعت مع العديد من الدّول وفقط…

يسوّق المتحمسون لانضمام المغرب إلى "الإكواس"، وهم صادقون، أن الأمر يتعلق بسوق واعدة قوامها 320 مليون نسمة / مستهلك، ومساحة تتجاوز خمسة ملايين كيلومتر مربع، وناتج داخلي أكثر من 700 مليار الدولار.

ولسنا نعيب على المغرب أن ينظر إلى المنطقة على أنها "سوق مهمة وكبيرة جداً، ستسهم في زيادة الطلب الخارجي، وبالتالي انتعاش الصادرات وزيادة حجم الاستثمارات الداخلية، التي سيكون لها تأثير على سوق الشغل وانتعاش الاقتصاد الوطني ، حسب تصريح أحد الباحثين المغاربة.

غافل بمصلحة الوطن من لا يتمنّى للمقاولات المغربية كل التوفيق، ومن لا ينتشي بأي اختراق سياسي واقتصادي تسجله دبلوماسيتنا. ومجرم في حق الوطن من يجعل من علَم البلاد حصان طروادة يستغله لتحقيق مآرب أخرى...

نذكّر الغافل ونستثيب المجرم ونسترسل في التنويه إلى ما نعتقدها نقائص وهفوات لم تزل شائبة في مسلسل الانضمام...

نبدأ ملاحظاتنا بالخطاب الملكي الذي استشهدت به الدراسة الإفريقية الأولى، وهو خطاب أديس أبابا ليوم 30 يناير 2017، والذي جاء فيه: لقد خمد شغفنا بالمغرب العربي لأن الإيمان بمصلحة مشتركة قد اختفى. من الآن فصاعدا يعتبر المغرب أن الأسرة الأفريقية هي مرجعيته... .

قد يدفعنا اليأس من تصرفات الجيران إلى الصراخ والنياح، ورغم امتعاضنا الشديد من غلق الحدود يمكننا أن نتجرع ذلك ونتبعه بكأس الأمل...أمّا أن ننْحر حلم أمة على أعتاب مِحراب لسنا ندري مدى قدسيته، فالأمر مدعاة لتؤدة وحكمة أكثر...على العموم نتمنّى ألا يكون انضمامنا إلى أي تجمع بديلاً عن المشروع التاريخي للاتحاد المغاربي…دَعونا من الخضوع لسطوة اللحظة…فليس الشديد بِالصُّرَعَةِ... والزمان دوّار...

ليس بعيدا عن مشكلة العلاقات الثنائية بين المغرب والجزائر، تأبى مسألة الوحدة الترابية للمملكة إلّا أن تومئ برأسها أيضاً في هذا الملف؛ ذلك أن مواقف دول الإكواس غير متناغمة إزّاء هذا الموضوع. ولعلّ انضمام المغرب وهو يُجرْجر مشاكله وراء ظهره خليقٌ بإحراج دول المنطقة. وقد رصدت الدراسة الإفريقية هذا المعطى فكتبت في الصفحة 17: إن انضمام المغرب إلى المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا من شأنه بلبلة العلاقات المتناغمة الموجودة حالياً بين أعضائها وإيجاد انقسامات عميقة داخل هذه الجماعة . وهكذا نخشى أن يُنظر إلى المغرب كسِحْر هاروت وماروت يفرق بين المرء وزوجه".

ما تبقى من ملاحظاتنا نفضِّل أن نُسْبقها ببعض الأرقام، فلعلها أصدق إنباءً من العواطف.

نستهل بمؤشر التنافسية والترتيب العالمي لسنة 2017 المتعلق بالمغرب ودول "الإكواس"، حيث نجد المغرب يحتل المرتبة 70 مقابل 112 للسنغال، 127 نيجيريا، 125 مالي، 132 سيراليون، 131 ليبيريا، 123 غامبيا و124 بينين....

ثمَّ ننتقل إلى الترتيب العالمي للناتج الداخلي، فالمغرب يحتل هنا الرتبة 61 حسب تصنيف صندوق النقد الدولي لسنة 2014، مقابل الرتبة 21 لنيجيريا، 117 للسنغال، 95 لساحل العاج، 129 لمالي، 151 لسيراليون، 139 لبينين، 164 للرأس الأخضر، 173 لغينيا بيساو، 128 الرأس الأخضر...

ولعل الترتيب المشرف جدا لدولة نيجيريا يشكل نقطة نور أمام كارثية الأرقام الأخرى، بيد أن حتى هذه النقطة سرعان ما تبهت حين نعلم أن نيجيريا تحتل الرتبة 148 في مؤشر الفساد، يقابله المغرب في الدرجة 81.. سنغال 66، ساحل العاج 103، مالي 122، غامبيا 130، توغو 117..

أمّا بعد،

جاء في الدراسة الإفريقية سالفة الذكر ما يلي:

إذا تم قبوله في "الإكواس" فسوف يتعين على المغرب احترام وتطبيق البروتوكول الجماعي حول حرية تنقل الأشخاص وحق السكن والإقامة لسنة 1979 .

وقبْل البروتوكول فالفصل 55 من الميثاق المعدّل ينص بوضوح على إلغاء كلي للحدود، وقد كتبت هذه الفقرة كما يلي:

la suppression totale de tous les obstacles à la libre circulation des

personnes, des biens, des capitaux et des services ainsi qu au droit de résidence et d établissement

إنه التحدي الأول الذي سيواجهه المغرب: جحافل من المهاجرين…هذه المرة ليسوا سرّيين. وهنا وجب علينا التذكير بأحداث أولاد زيان، لنتساءل بدون براءة مزيفة، هل نحن حقاً مستعدون لاستقبال مهاجرين جدد؟ وهل ستخصص إمكانيات بشرية ولوجيستيكية إضافية لتدبير مخيمات الترونزيت التي ستتناسل حتماً في المملكة؟.

نتكلم هنا عن 320 مليون نسمة، شريحة كبيرة منهم تعيش ظروفاً غير مريحة جداً وتحكمها أنظمة غير شفافة جداً...

أمّا على المدى المتوسط فإن المغرب سيجد نفسه أمام خيار يشبه الكابوس: الوحدة النقدية. صحيح أن موعد 2020 المخصص للبدء في مسلسل توحيد العملات يبدو غير واقعي، لكن، وعلى غرار ما قالت العرب كل آت قريب .

قاسية كانت تصريحات رئيس مفوضية الإكواس مارسيل آلان دي سوزا، فقد أكّد أن المغرب تعهد كتابةً بتبني العملة المشترك عند خروجها إلى الوجود. تُرى كم عدد المغاربة الذين يعلمون أن الدرهم بعد عملية التعويم في الأسواق المالية سيتعرض لعملية الإغراق في بحر المغامرات...؟.

ومرّة أخرى نجدنا مضطرين لإعادة قراءة المؤشرات التي سبق أن سردناها…ينتابنا بعض القلق...بل كل القلق...نسمع صوتا بداخلنا، هلّا مؤشر آخر علّه يكون أكثر إشراقاً...نستجيب للمنادي ونبحث عن ترتيب المغرب ودول الإكواس في لائحة نسبة الأمية. لا مفاجأة، المغرب يحتل الرتبة 113، نيجيريا 119، السنغال 127، ساحل العاج 124، مالي 133، غانا 107، توغو 120...

ونتساءل بمرارة : إلى أين...؟

زارنا في جامعة كيبيك بمونتريال أحد الخبراء في الاقتصاد الدولي، وأثناء المحاضرة تطرَّق إلى اتفاقية التبادل الحر بين المغرب والولايات المتحدة. أخبرنا أن الوفد المغربي أبدى بعض المقاومة" تجاه بنود ارتأى أنها مجحفة. وحين احتد النقاش، وقف أحد المفاوضين الأمريكيين وصرخ في وجه المغاربة: إذا لم توقِّعوا سوف نشنقكم. سرت في القاعة همهمة خافتة بين الضحك والتأسف. وهنا استأذن الدكتور كريستيان دوبلوك، وهو أحد دهاقنة الاقتصاد السياسي في البلد، ورغم ذلك استشكلت عليه حالة بلادنا، ثم سأل صديقه المحاضر: ولكن لماذا دخل المغرب أصلا في هذه المفاوضات؟ أجابه المحاضر بِتحسّر: إنها مسألة مصالح خاصّة.

صدّقتُ المحاضر حين تكلم عن أعضاء مغاربة يستميتون في الدفاع عن مصالح وطنهم، فلم تعقم المغربيات وسَتلدْنَ دائما من يتنفس عشق الوطن بكل مسامِّه..وصدّقتُه حين تكلم عن العنجهية الأمريكية، فالكوبوي لم يغير سوى لباسه الخارجي ولم يزل بنفس العقلية، وصدّقته أيضاً حينما تكلم عن المصالح الخاصّة...

نعود ونقول إن مِن حقِّ المُصدِّر أن يفكر في سوق أكبر لتصريف سلعته، ومن حق الذُّومالي أن يتصَّيد أو يخلق الفرص للاستثمار ولتنمية ثرْوته، ومن حق الشركات أن تستفيد من الدعم السياسي والاقتصادي للدولة... فالواقع يؤكد: إنما الأمم شركاتها ما بقيَت …

ولكن من حق المواطن قبل ذلك وبعده أن يُستشار في الأمور المصيرية التي تهم البلد، ومن حقه أن يعيش الحد الأدنى من السلم الاجتماعي…وإذا كان هناك من سيستفيد من انضمامنا إلى الإكواس فعليه أن يؤدّي الفاتورة ولا يُحيلها على الآخرين.


 

يوسف اتباتو