يؤرخ ليوم أسود في التاريخ السياسي المغربي..لكنه تاريخ مسكوت عنه..ولا مفكر فيه..رغم أهميته في تشكيل "الوعي السياسي" الوطني المغربي..
من المعلوم أن "الاستعمار" عندما دخل المغرب..هب المغاربة لمقاومته..لكن تلك المقاومة كانت في أغلبها من زاوية "قبلية" أو "دينية".. وكان الانتماء القبلي يحتوي الانتماء الوطني..ولم يتشكل بعد مفهوم "المواطن" المغربي..ولم يستطع "النظام المخزني"..عبر تاريخه الطويل..بسط نفوذه على كل جغرافية "المغرب" إلا بعد دخول الاستعمار بقوته البيروقراطية والمؤسساتية والعسكرية..وقضى نهائيا على ثنائية المخزن/السيبة..كان ذلك في أواخر العشرينيات من القرن الماضي..في سنة 1933..ظهرت "الكتلة الوطنية" التي ظهر معها لأول مرة مفهوم "المواطن المغربي".. استمالت "الكتلة" الملك االراحل "محمد الخامس" لصالح المطالبة بالتحرر الوطني..لكن لم يكن هناك "تعاقد سياسي" بين الحركة الوطنية والقصر.. كما يلاحظ الباحث "ع.الله حمودي".."تعاقد" يرسم ملامح النظام السياسي لمغرب ما بعد الاستقلال..خاض المغاربة صراعهم لأجل الاستقلال..لكن بوعي يختلط فيه الديني بالقبلي بالوطني..ومع "الاستقلال" انفجر الصراع السياسي بين الحركة الوطنية المحملة في جزء قوي منها بقيم "الحداثة" والقصر الوارث للقيم السلطانية الاستبدادية..ومعه أعيان البوادي والقواد المرتبطين عضويا بالموروث الاستبدادي السياسي..
لكن عموم الشعب المغربي كان يتصور برومانسية سياسية بالغة أن المغرب الذي سيطرد منه "الكفار المسيحيين" ..وأن المغاربة المسلمين قادرون على إقامة مغرب العدل والمساواة..
ومع تقدم الأحداث ومعطيات الصراع بعد "الاستقلال"..وانقشاع أوهام "الحصول على الاستقلال"..بدأ المغاربة يكتشفون تدريجيا وشيئا فشيئا أن الدولة القمعية لا علاقة لها بكفار ولا بمسلمين..بل لها علاقة مباشرة "بكيفية توزيع الثروة"....وبكيفية "تداول السلطة"..لها علاقو ببنية استبدادية متجذرة في التاريخ السياسي المغربي والعربي..
هكذا كان الاصطدام الأول الدامي المأساوي يوم 23 مارس بين عموم الشعب الفقير وفئات من المحظوظين المسيطرين على الثروة والسلطة..والذين لم يفكوا ارتباطهم أبدا بمراكز الاستعمار ودوائره..
نحن نتحدث الآن عن مرور أكثر 50 سنة على المأساة السوداء لذلك الحدث الدامي..الذي سقط فيه شهداء بالجملة.. أغلبهم شباب في مقتبل العمر.. يافعين ما زالوا يدرسون في الثانويات..تلت هذا الحدث القاسي أحداث وانتفاضات وتمردات شعبية تعبر عن رفضها للتهميش السياسي والاقتصادي..أهمها ما حدث في الدار البيضاء سنة 1981..وما حدث في عدد من المدن سنة 1984..وما حدث مؤخرا بالحسيمة..وما يحدث الآن بجرادة..
لكن إذا قسنا 50 سنة في عمر تطور الوعي السياسي لدى الشعوب..وقارناها بتجارب شعوب أخرى تسعى هي أيضا نحو التحرر وإقامة العدالة السياسية والاقتصادية والاجتماعية..وإذا أضفنا المحاولات الرسمية والمتواطئة المستمرة لتشويه "الوعي السياسي" والعمل على قتله وكسر بوصلته أو عرقلته على ألأقل..سنجد أن 50 سنة تاريخ قصير نسبيا في تاريخ تطور "الوعي السياسي" لدى الشعوب..لكنه له أهميته القصوى في عملية "تشكل الوعي السياسي" الوطني الناضج والمسؤول..بعيدا عن صخب العواطف والانفعالات رغم أهميتها..23 مارس علامة من علامات الطريق نجو تحرر الشعب المغربي من الاستبداد والفقر والمرض..
هي قوانين التاريخ ومراحله الموضوعية..إنك لا تطلب من "شجرة التفاح" التي غرستها بذرتها قبل مدة معينة..أن تعطيك تفاحا متى شئت أنت..للشجرة قوانين نموها ونضجها..وزمن استعدادها للعطاء..لكنها تجتاج حتما للراعية والاهتمام..واحتضان التراكم الحاصل في بنية نموها ونضجها..


مصطفى بودغية