أصبح الاستطلاع الفضائي والجوي الطريقة الأكثر أهمية لجمع المعلومات في العمليات العسكرية حول العالم، حيث يحتاج الجيش إلى المزيد من المعلومات والبيانات في الوقت الحقيقي لضمان الدقة والنجاح في اتخاذ القرار الصحيح في الوقت المناسب.

كما أن العمليات العسكرية تصبح أقصر وأكثر تركيزا وفاعلية مع دور أقل لقوات الاستطلاع البرية.

ومن بين أفضل الأمثلة الحديثة هو دور وسائل الاستطلاع والمراقبة الجوية في عملية غصن الزيتون التركية، حيث ألقت تركيا بكل ثقلها الاستخباراتي في العملية بالاستعانة بقمرين صناعيين للتجسس وما يزيد عن 15 طائرة بدون طيار محلية الصنع أغلبها مسلح وحواضن استطلاع على مقاتلات F-4 وF-16 .

وهذا ما أدى إلى رسم صورة واضحة لميدان العمليات وفهم طبيعة المعركة وإعطاء مظلة حماية جوية للجنود مع تأثير قوي في معنويات الإرهابيين، حيث إن الشعور بالمراقبة اللصيقة يقلص من مستوى العمليات ويزيد صعوبة التخطيط، حيث إن نشر فيديوهات عمليات الضربات الجوية والمراقبة يدخل في إطار الحرب النفسية الفعالة.

قدرات الرصد والاستطلاع الفضائي للمغرب

شكل توقيع المغرب على صفقة مع فرنسا سنة 2013 للحصول على قمرين صناعيين من طراز Pléiades لحظة فارقة في تطور قدرات المراقبة للمغرب، حيث باتت تمتلك القوات المسلحة منذ إطلاق أول قمر Mohammed-6 في نونبر من العام الماضي مصدرا مهما للمعلومات الاستخباراتية التي تستعمل على مستوى البناء الإستراتيجي والتخطيط التكتيكي بالإضافة إلى استعمالاته المدنية أيضا.

وتصل دقة الصور في هذه الأقمار الصناعية إلى 50 سم، أي عرض وطول كل بيكسل في الصورة هو 50 سم. ومن ثمَّ، يمكن تمييز العربة الناقلة للجند من الدبابة على سبيل المثال بكل سهولة، وطبعا هناك دقة تصل حتى 15 سم في الأقمار الصناعية الأمريكية تمكن حتى من تمييز نوع الدبابة؛ لكنها خاصة بأمريكا فقط، ولا يتم بيعها للخارج.

توفر أقمار الاستطلاع المغربية معلومات استخباراتية إستراتيجية شاملة عن مواقع الأهداف العسكرية، كمراكز القيادة والسيطرة ومناطق الحشد والتجمع والقواعد الجوية والبحرية والعتاد المتمركز بها ومواقع إطلاق الصواريخ وتجمعات الدفاع الجوي.

ورصد أي تغيير يحدث عن طريق مراقبة تحركات القوات المعادية، بعد تحليل الصور التي يتحصل عليها من الأقمار الصناعية يمكن من معرفة النيات وتوفير إنذار مبكر مما يحرم العدو من أي هجوم مفاجئ.

قدرات الاستطلاع والمراقبة الجوية للمغرب

تنبهت القوات المسلحة الملكية إلى أهمية الاستطلاع الجوي خلال حرب الصحراء، حيث التصدي لمجموعات صغيرة بتكتيكات حرب العصابات تقوم بضربات خاطفة وتنسحب بسرعة.

وفي الأغلب يتم الضرب المتزامن على أكثر من جبهة يعتبر أمرا صعبا ويتطلب قدرات استطلاع ممتازة تستطيع توفير الإنذار المبكر للقوات على الأرض وتوجيهها إلى تنفيذ ضربات استباقية.

لذلك، قام المغرب سنة 1976 بطلب رادارات من الولايات المتحدة من طراز APS-94 لتركيبهم على طائرات C-130 التي سميت RC-130.

ويستطيع هذا الرادار إنشاء صور "رادارية" لمسرح العمليات في جميع الظروف الجوية خصوصا العواصف الرملية التي تضرب بكثرة في المنطقة ورصد الأهداف البرية من مدى يصل إلى 70 كلم.

ويتيح هذا النوع من الرادارات تصنيف الأهداف المتحركة؛ وهو ما يسهل عمليات الاستخبار والإنذار المبكر.

كما قام المغرب سنة 1986 بشراء 6 طائرات بدون طيار خفيفة من طرازR4E SkyEye ؛ وهو ما عزز قدرات الرصد على المستوى التكتيكي، حيث يمكن رصد المجموعات المهاجمة وضربها من مسافات قصيرة ومتوسطة بواسطة مدفعية الميدان مع تصحيح مسار القذائف وتقييم نجاح إصابة الأهداف.

وفي خضم تطور تكنولوجي هائل في العقدين الماضيين، فقد أصبحت هذه التقنيات متجاوزة، وأغلب طائرات R4E خارج الخدمة الآن؛ وهو ما حتم إدخال طائرات جديدة لتحديث أسطول الطائرات بدون طيار، وزيادة كفاءته وقدراته، فتم سنوات 2007-2009 إدخال 4 طائرات I-Gnat ER للمراقبة.

وبعدها في سنوات 2010-2012 جرى الحصول على النسخة غير المسلحة من Predator-XP بعدد 4 طائرات، وسنة 2013 جرى التعاقد على 3 طائرات Harfang من فرنسا وتم استلامها سنة 2014، بالإضافة إلى التعاقد سنة 2008 على حواضن DB-110 بعدد 4 وحدات لتركيبها على طائرات F-16 .

ويمكن الحاضن DB-110 من التقاط صور نهارية وحرارية ذات جودة عالية من مسافة تزيد عن 70 كلم، ونقلها عبر وصلة بيانات بشكل مباشر إلى المحطات الأرضية ومراكز القيادة لتحليلها، كما تظهر الصور أيضا للطيار على الشاشة متعددة المهام لتقييم أضرار المعركة بشكل شامل.

وآخر صفقة تم إجراؤها تعلقت بأربع طائرات غولف ستريم G550 للحرب الإلكترونية والاستطلاع والمراقبة مزودة بالإضافة لتجهيزات التشويش والتنصت برادار مسح أرضي بمدى يزيد عن 100 كلم بدقة صور 1 متر مع قدرة كبيرة على كشف مئات الأهداف الأرضية الثابتة والمتحركة مع تمييزها وتعقبها وحاضن بصري/حراري للرؤية النهارية والليلية لمسافات تزيد عن 20 كلم.

وقدم هذا التطوير في أسطول الاستطلاع والمراقبة مستوى جديدا من التكامل بين القوات الجوية والبرية، سيتم استغلاله كاستراتيجية شاملة سواء في العمليات العسكرية الحربية أو الأمنية لمكافحة الإرهاب من خلال التركيز على أهداف ذات قيمة عالية في أي عمليات مستقبلية مع قدرات جمع معلومات ممتازة لتزويد مراكز القيادة بصورة شاملة للموقف على جميع مستويات التدخل الاستراتيجي والتشغيلي والتكتيكي.

لكن هذا التطور يبقى أقل من التحديات التي تواجه المغرب في محيطه الإقليمي، حيث طلبت إسبانيا سنة 2015 عدد 4 طائرات بدون طيار من طراز MQ-9 Reaper بلوك 5 الغنية عن التعريف. وحسب وزارة الدفاع الإسبانية، فإنه بعد استلامها هذه السنة والسنة المقبلة واكتمال القدرات التشغيلية للطائرات سنة 2020 ستبدأ مرحلة تسليحها على غرار بريطانيا وإيطاليا ومؤخرا فرنسا.

أما الجزائر فقد سبق أن جربت على أراضيها عدة طائرات بدون طيار مسلحة منها CH-4 الصينية والتي تحطمت إحداها في مطار تندوف جنوب غرب البلاد أثناء الاختبارات، وكذلك جربت طائرة يبهون يونايتد 40 الإماراتية المسلحة ولكن سيتم التعاقد على الطائرة الصينية CH-4 أو نسخة أخرى من الصين.

وقد سبق أن حصلت الجزائر سنوات التسعينيات على 14 طائرة Seeker II و3 طائرات Seeker 400 مؤخرا من جنوب إفريقيا؛ وهي طائرات خفيفة لمراقبة الحدود الشاسعة، بالرغم من مداها القصير.

ورجوعا إلى مثال العملية التركية في بداية المقال، فإن الطائرات التركية من طراز Bayraktar TB-2 وAnka-B التي شاركت في العملية أغلبها كان مسلحا؛ وهو ما مكن من خفض كلفة العمليات.

إن الحرب ليست مجرد عمليات عسكرية فقط ولكن لها تكلفة اقتصادية كبيرة كذلك واستعمال الطائرات بدون طيار في المراقبة وتحييد أهداف خفيفة أو ذات تحصين ضعيف لا يتطلب تدخل طائرات ثقيلة مثل المقاتلات.

واتباع المغرب الإستراتيجية نفسها بالتوفر على عدد كبير من الطائرات المسلحة بدون طيار في حدود العشر طائرات مع استيعابها في إستراتيجية شاملة للتكامل مع القوات البرية سيشكل فارقا مهما ويخفض الكلفة المادية لأي تدخل مستقبلي، خصوصا أن سعر الطائرات الصينية يقارب مليونيْ دولار للطائرة الواحدة في حين تكلفة طائرة واحدة من طراز MQ-9 تتجاوز 30 مليون دولار.

وبما أن المغرب واجه عدة عراقيل في الحصول على MQ-9 الأمريكية والتي حتى بعد شرائها تتطلب إذن الحكومة الأمريكية من أجل تسليحها وعراقيل على استعمالها، ونظرا لتوجه المغرب نحو السوق الصينية لتعزيز دفاعه الجوي متوسط المدى بنظام سكاي دراغون 50 بعد مشاكل صفقة نظام Hawk الأمريكي والشروط الوقحة لاستعماله، فإن حصوله على طائرات بدون طيار من طراز Wing Long II الصينية الحديثة والمكافئة للدرون الأمريكي MQ-9 يعتبر مسألة وقت فقط.

محمد حلمي

* خبير في الشّأن العسكري والإستراتيجي