نجاح العلاقات الأسرية أو فشلها رهين بخمسة أركان:

معرفة الهدف من الزواج

قبل الزواج يحلم أغلب الشباب بفارس أو فتى الأحلام، ويرسم في مخيلته الشخصية التي يتمنى أن تتحقق في الطرف الآخر. غير أن الهدف من الزواج يتوارى إلى الخلف في ظل هذه الأحلام الوردية، وسرعان ما تهب رياح الواقع العاتية، فتعصف بالأمنيات وتبرز الطبائع المتجذرة في الطرفين. فإن لم تكن الحكمة والصبر والحلم تحطمت السفينة على أول صخرة في الطريق. ولا ينجو من الغرق إلا من عرف الهدف من الزواج المتجلي في ميثاق غليظ يمتد منذ اللقاء الأول إلى دار الخلود في جنات النعيم.

المعرفة المتبادلة بين أفراد الأسرة

لا تكفي النيات الحسنة في تثبيت أركان البيت الأسري، ولا الكسل المتعمد عن بذل الجهد الفكري والنفسي والسلوكي من أجل معرفة الأطراف الأخرى في البيت. وهنا لا نتحدث عن معرفة الزوجين لبعضهما البعض، وإن كانت هذه المعرفة هي الأساس، ولكن تجب معرفة الأطراف الأخرى للبيت من أطفال وأهل الزوجين والبيئتين اللتين نشئا فيهما. وحينما نقول بوجوب معرفة الأطفال أيضا، فهذا يعني أن يبذل الأبوان ما في وسعهما للتعرف على هذا الإنسان الناشئ الصغير، والحذر كل الحذر من اعتبار الطفل إنسانا من الدرجة الثانية أو الاستهانة بقدرته على الفهم. فبعض المشاكل الأسرية تكون من مصدر طفولي كرد فعل عن أشياء لا يقدر الطفل أن يواجه الكبار بها فيلجأ إليها لتحقيق ذاته كإنسان وعضو كامل العضوية في الأسرة.

احترام الاختلاف في ظل الائتلاف

خلق الله بني آدم وجعلهم شعوبا وقبائل مختلفين. لكن هذا الاختلاف هو سر انجذاب بعضهم للبعض الآخر. لكن رغم وعي كل واحد منا بهذه الحقيقة، فغالبا ما يحاول كل طرف أن يروض الطرف الآخر لصالح طبعه هو، وثقافته هو، وذوقه هو. مما يؤدي إلى الاحتكاك فالاشتعال فالاحتراق فالفراق. لكن اللبيب هو من يجيد ترتيب قطع الزليج البلدي الأعوج منفرد الغاية في الجمال والتناسق مجتمعا. فكل منا له نتوءاته وألوانه الباهتة وقطعه المتكسرة، فلا يفخرن أحد بذلك. ولكن الفخر كل الفخر أن يكون كل طرف في الأسرة مساهما في جمالها الكلي ومحافظا على الائتلاف في ظل الاختلاف.

التعاطي الإيجابي مع المشاكل

معظم الأسر تنظر إلى المشاكل الحياتية نظرة سلبية، بل تجعلها شماعة تعلق عليها كل إخفاقاتها الماضية، الحاضرة والمستقبلية. وكأن المشاكل لم تخلق إلا لتحطم الإنسان وتعكر عليه صفو حياته في النعيم الدنيوي الذي يتخيله. وقليل هم من ينظرون إلى المشاكل على اختلاف أنواعها وألوانها ودرجاتها كسلم يرتقي بقدراتنا ومهاراتنا واستعدادنا لإبداع حلول في مستوى العقبات التي تواجهنا. ولا أدل على ذلك من كل الاختراعات التي ننعم بها اليوم والتي كانت مشاكل تحولت بفعل الإرادة إلى حلول. ومن ثم فكلما ساق الله للمرء مشكلا، منحه درجة أعلى في الفهم والفعل والرزق المادي والمعنوي. ففي طي كل محنة منحة.

معرفة المصير الدنيوي والأخروي

ما ينبغي معرفته، بل التذكير به في كل مناسبة بين كل أفراد الأسرة، هو ذلك البعد الأخروي للأسرة. فالبيت جنة الدنيا لكنه حف بالمكاره. والأخلاق إنما هي أخلاق البيت. أما التصنع فكل منا يحسنه إلى حد الإتقان. لذلك فمراقبة الله في الأهل والأطفال والجيران وفي كل محيط البيت لمن الأركان التي يجب العناية بها وتربية النشء عليها. ومن جهة أخرى لا ننسى مصيرنا الدنيوي وطلب الكمال المادي والمعنوي للأسرة، فلا يغني التعبد عن الكدح ولا الكدح عن التعبد. فطريق الآخرة يمر عبر الدنيا، وما الحسنات والسيئات إلا نتائج لتفاعلنا مع ما وهبنا الله من فرص للخير وما حذرنا منه من شر.

 

رشيد الفائز*


 

* باحث من كندا