في البداية أود أن أنشر بيان حقيقة: بالمختصر المفيد، تحدث عمودي السابق عن جواسيس صاحبة الجلالة، ولم يكن المقصود بصاحبة الجلالة - كما تبادر إلى ذهن بعض "قراء الفنجان" الذين ربما لم يقرؤوا من العمود سوى عنوانه ـ صاحبة الجلالة الصحافة أو كما تسمى في بلداننا افتراءً "السلطة الرابعة". فلم أتطرق في العمود المعني على الأقل إلى الجواسيس المرتبطين بالصحافة، سواء من يتجسسون من داخل الجسم الصحافي أو من يُتجَسس عليهم وهذه الفئة كثيرة. كما لم "أُنَيِّش" على "توفيق بوعشرين" لأنني ببساطة أكتب بالوجه المكشوف كما تلاحظون وليس من أخلاقي الكتابة عن قضية معروضة على القضاء، وإلاّ كنت قد كتبت عن قضيتي التي مازالت معروضة استئنافيا على المحكمة الإدارية، من باب "الصدقة في المقربين أولى"، كما ليس من عادتي اتخاذ موقف من قضية لم أتمحص حيثياتها ولم أبحث في خلفياتها، ولا استلال السكين حين تسقط البقرة أو الثور. فأبغض منطق لدي هو منطق "الوزيعة" السائد، كيفما كان وحيثما وُجد.

من جهة أخرى، لم أعمد في مقالي السابق إلى "إياك أعني يا جارة" للحديث عن أي "صاحبة جلالة" هنا بالمغرب. فبما أن هذه الصفة غير موجودة عندنا وفقا للدستور الحالي، سيكون إطلاق هذا اللقب على إحداهن قول زور وبهتان.

كما لا تهمني الحياة الشخصية للشخصيات العامة والمسؤولين إلا إذا كانت تتداخل مع الشأن العام وتتدخل فيه، وفي هذه الحالة تكون النتيجة واحدة، ألا وهي الفساد الذي يجب على كل حامل وعي وقلم (حاسوب في وقتنا هذا) فضحه على الملأ ومحاربته كل من موقعه وحسب مسؤوليته وإمكاناته.

"من ينام مع من، من يتزوج، من يطلق، من يتناول ماذا، من يلبس ماذا..." كلها أسئلة لا معنى لها وليس من المفروض في أي شخص يحترم نفسه والآخرين طرحها للنقاش في الساحة العامة، إلا إذا كان ذلك "النوم والزواج والطلاق والأكل والشرب واللباس..." يمس بأسس دولة الحق والقانون التي نطمح إليها أو يؤثر بشكل ما على تدبير الشأن العام، أو على الميزانية العمومية...انتهى.

قد أستمر في هذا الرد، لكنه سيكون ثقيلا، ولا أريد إثقال هذا العمود بدروس في الإعلام، إذ ليس من حقي تنصيب نفسي ناطقة رسمية باسم أي كان أو أستاذة لأي كان. لا أعبر سوى عن رأيي الشخصي، والحمد لله على نعمة "التعبير"، أما "الفعل" فربما لا ينتمي لا إلى هذا الزمان ولا إلى هذا المكان.

لسان حالنا يقول" قل ما شئت لكن سأفعل ما أريد"، ولا أدل على ذلك من فضيحة "فيسبوك" الأخيرة. كما تعلمون تفاءل شبابنا والأقل شبابا على حد سواء بما سمي "شبكات الاتصال الاجتماعي" (وليس التواصل)، وصاروا يستغلون هذا الفضاء الافتراضي بكثافة "للتعبير" عن أي شيء وكل شيء، معتقدين أنهم "فاعلون" في حين أنهم "مفعول بهم" ومستغَلون أبشع استغلال، لأن معطياتهم الخاصة و"الخاصة جدا" صارت متاحة للبيع والشراء، للقرصنة وربما لإسقاط أنظمة وتنصيب رؤساء من طينة "ترامب" أو أسوأ. فتمكين "كامبريدج أناليتيكا" من استغلال المعطيات الخاصة بخمسين مليون مستَعمل للفيسبوك في حملة "الدونالد" الانتخابية ليس سوى قمة جبل الجليد. وما يدعيه "مارك زوكربيرغ" من جهله بحقيقة هذه العملية الكبرى ليس سوى ذر للرماد في العيون. الآن فقط يمكن أن أغير عنوان المقال إلى "جواسيس صاحب الفخامة"، أي جواسيس من يُنصَّب رئيساً في دولة عظمى (أما الدول الأخرى فأنكى وأمَرّ). وها قد عرفتم أن "فيسبوك" أحد هؤلاء الجواسيس...


 

زكية حادوش