نعم للرئيس بديل. وهذا ما أكده الرئيس مرارا وتكرارا انه لا يريد أن يرشح نفسه للرئاسة ثانية، ودعوته المتكررة لإجراء الانتخابات الفلسطينية وخاصة الرئاسيه، ليقوم الشعب الفلسطيني كشعب ديموقراطي وأختار الرئيس محمود عباس في أهم انتخابات فلسطينية عام 2006 ، وفي انتخابات إعترف العالم كله بديموقراطيتها ونزاهتها ومصداقيتها، وبموازاتها قام أيضا بإختيار سلطته التشريعية. لكن هذه الممارسة الديموقراطية لم تستمر وتقوى لأنها أقصر الطرق لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي ، فدخل الفلسطينيون في أسوأ مراحل نضالهم السياسي وهي مرحلة الإنقسام التي ما زالت عالقة بين الأرض والسماء رغم بعض محاولات المصالحة التي لم تكتمل بعد. وخلال سنوات الإنقسام الذي زاد عن العقد لا يعقل ان يقف الرئيس مكتوف الأيدي ويجلس على كرسي الرئاسة حاله حال بقية الرؤساء في العالم. فالكرسي الحقيقي للرئاسة الفلسطينية هو كرسي القضية الفلسطينية. وهذا ما ينبغي أن يدركه من يريد ان يتولى هذا المنصب. ولم يقتصر المنصب على الرئاسة بل رئاسة المنظمة ورئاسة حركة فتح وكل هذه أحمال، كان بالإنتخابات السياسية أن تتعدد وتنحصر الرئاسة فقط في المنصب الرئاسي وهذا أحد الطموحات السياسية والإصلاح السياسي ، وهذا هو الهدف من الانتخابات الرئاسية التي دعا لها الرئيس.

ونتيجة إلى الإنقسام تجمدت عروق كل المؤسسات الفلسطينية بسبب توقف ضخ الدم في عروقها، وبقي الحراك السياسي الوحيد الذي تتدفق منه الحركة والحراك للرئاسة التي لم تتوانى عن الحراك السياسي ، والسفر والترحال بين عواصم العالم لشرح القضية وتطوراتها السياسية المتلاحقة . ولعل الرئيس هو الوحيد الذي قد يدرك حجم الأخطار المحدقة بالقضية ، فقد جاءت فترة الرئاسة في أصعب مراحلها الداخلية والخارجية.فداخليا وبسبب الإنقسام كان التشكيك في الرئاسة، وإسرائيليا الضغوطات مستمرة بإجهاض كل الحراك الرئاسي بممارسة الضغط الإقتصادي والمالي والأمني وصولا لحد التهديد. وعربيا وبسبب الإستقطاب العربي والعلاقات العربية المتوترة والمنشغلة بقضاياها الداخلية ومواجهة موجات من الإرهاب والتدخلات الإقليمية غير المسبوقة، خضع منصب الرئاسة لمزيد من الضغط والإستقطاب، وصعوبة تحقيق التوازن والحفاظ على إستقلالية القرار الفلسطيني دون دفع الثمن السياسي.

ودولياً الوضع ليس احسن حالا، فالضغوطات الأمريكية متزايدة وخصوصا مع إدارة الرئيس ترامب الذي إنتهى بقراره بالإعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ولا احد يدري الخطوة التالية له بالإعتراف بيهودية إسرائيل كدولة يهودية. في هذه البيئة الصعبة التي تعصف بسفينة الرئاسة وإما الغرق للكل، وإما النجاة الجزئية لشعب يعاني كل ألوان عدم ممارسة حقوقه كأي شعب. كان الحرك الرئاسي ، والتوجه إلى الأمم المتحدة ، والدخول في مواجهات سياسية مع أقوى الرئاسات في العالم ، الولايات المتحدة، وبدأ الخطاب الرئاسي الذي لم يتعود سماعة الكثيرون ، خطابا إتسم بالشدة والتصلب وخاصة فيما يتعلق بالحقوق الفلسطينية لكنه لم يتخل عن جوهرة في التمسك بالسلام والمفاوضات العادلة، وأرتفعت وتيرة هذا الخطاب لحد المواجهة والتحدي السياسي مع الولايات المتحدة بالإعلان الصريح أن الولايات المتحدة لم تعد الراعي الأساس والرئيس لعملية السلام، ولن نقبل منها اي خطة للسلام. هذا الخطاب وهذا التحدي له ثمن سياسي كبير اعتقد ان الرئيس يعرفه ويدركه ومع ذلك مستمر في تصلبه تمسكا بالحقوق الفلسطينية، فلا احد يستطيع المساس بهيبة ومكانة الولايات المتحدة وبصفة خاصة مع شخصية الرئيس الأمريكي ترامب. ومن هنا جاء الرد المبدئي ان هناك ضوءا أخضر قد أعطى للبحث عن بديل للرئيس عباس. وهذا الإعلان ينبغي أن يؤخذ بجدية فلسطينية ، ويحتاج لقرار ورؤية فلسطينية في كيفية التعامل معه.

أعود للتأكيد ان الحل يكمن في الانتخابات التي دعا لها الرئيس وفي تجديد كل شرعيات المؤسسات الفلسطينية. وعلى الكل أن يدرك انه بدون هذه الخطوة فإن كل الخيارات والحراك والإنجازات الفلسطينية التي حققتها الرئاسة واهمها الحصول على دولة مراقب في الأمم المتحدة ورفع علم فلسطين بجانب أعلام الدول على منصة الأمم المتحدة، وتثبيت هوية الدولة في العديد من المنظمات الدولية ستذهب هباء بسبب الإستمرار في الإنقسام، وعدم التجديد السياسي ، وعلى الكل ان يدرك أيضا ان هذا الخيار من أهم الخيارات والإستراتيجيات الفلسطينية التي ينبغي ان يتم تبنيها في هذه المرحلة ، واكثر أهمية من اي خيارات أخرى مسلحة، هذا الخيار السياسي الديموقراطي وبموازاة المقاومة السلمية والحراك المدني على المستوى العالمي هو المطلوب في هذه المرحلة.

وعلى الجميع ان يدرك ان الرئاسة الفلسطينية ليست مجرد شخص ، بل منصب ومسؤولية تعني مسؤولية القضية الفلسطينية. وفي الوقت ذاته ان يدرك ويعترف الجميع وبدون اغلاق عيون الحقيقة ان الرئيس محمود عباس قد فرض شخصيته ورؤيته السياسية ، وحمله السياسي كبير. وفي الوقت ذاته ينبغي أخذ الضغوطات التي تفرض على الرئيس بجدية،فلا شك في أهمية الشرعية الإقليمية والدولية التي يتمتع بها ، وان هذه الشرعية قد تأتي مناقضة ولاغية للمكون الفلسطيني للرئاسة حتى كانت عبر الإنتخابات، وذلك بسبب الأبعاد والمحددات التي تحكم القضية ، فضية بحجم القضية الفلسطينية لا يمكن تجاهل تأثير هذه المحددات.

اليوم الرئيس يتحرك إقليميا ودوليا بفعل هذه الشرعية التي يتمتع بها لما يتمتع به من شرعية تاريخية وثورية وديموقراطية ، فهو قد يكون آخر القادة المؤسسيين، وهي ورقة خطيرة يمكن أن تمارس على الرئيس في هذه المرحلة الصعبة التي تمر بها القضية. وقد تكلف الرئيس حياته . وعليه التهديدات والضغوطات تحتم تلاحما بين الرئاسة والشعب، والتفكير الجدى في الحلول والمخارج لهذه الأزمة في حياة الرئيس وليس بعده من خلال الانتخابات التي لا تحتمل التأخير وبناء المنظومة السياسية الديموقراطية، وإن تصعب ذلك فعبر التوافق السياسي من خلال تفعيل منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.

ومن هنا أهمية دعو المجلس الوطني الفلسطيني للإنعقاد كمحاولة لتجديد شرعية مؤسسات نظمة التحرير، والتوافق على الالية لإختيار الرئيس. وفي الوقت ذاته لنعلم ان هناك تدخلات إقليمية ودولية تحاول ان تفرض ما تريد، لذلك تسريع الدور الفلسطيني وحسمه من خلال منظمة التحرير في هذه المرحلة خطوة حتميه.الحالة الفلسطينية لا تحتمل سياسة ولا قرار بدون رئاسة. ومن هنا الحفاظ على الرئيس مصلحة وطنية في هذه المرحلة.


ناجي صادق شراب