ما أن تقطع القوات الأميركية خط الامداد الإيراني الرابط بين العراق وسوريا حتى يتهاوى المشروع التوسعي الإيراني.

بالتأكيد ستكون روسيا سعيدة لو قامت القوات الأميركية بذلك.

لا أحد يرغب في أن يتحول الكابوس الإيراني إلى قوة إقليمية معترف بها دوليا. قوة قادرة على تهديد مصالح الآخرين.

لقد استعملت الولايات المتحدة تلك القوة في العراق لغايات تتعلق بمخططها لتدمير ذلك البلد المنكوب. روسيا من جهتها استفادت من إيران وميليشياتها للدفاع عن النظام هناك.

اليوم تحول الوجود الإيراني إلى ما يشبه فضيحة من عيار ثقيل.

لم تكتف إيران بما أسند إليها من دور تكميلي. بل صارت تتصرف كما لو أن الأمور كلها آلت إليها. وهو ما كان يمكن توقعه من دولة دينية يستند وجودها إلى مبدأ الحق المطلق.

ما جرى كان أشبه بتقاسم المغانم ولا علاقة له بما تعلن إيران عنه من رغبة في الدفاع عن منظومة الأمن الإقليمي. كان يمكن أن يكون ذلك التقاسم مقبولا من قبل الكبار لولا أن إيران بالغت في حجم حصتها التي لا تزال حتى اللحظة غير محدودة.

بالطبع لم تكن الرؤية التوسعية الإيرانية غائبة عن عقول مصممي القرار السياسي والعسكري المزدوج في العراق وسوريا. أقصد الأميركان والروس بشكل حصري.

لقد راهنت إيران على المطاولة. فهي موجودة بقوتها في المنطقة ولن يكون عبء ذلك الوجود محرجا لها في ظل ما تفرضه من قيود وطوارئ على الداخل الإيراني. اما الآخرون فهم راحلون، طال الزمن أو قصر. إيران باقية في المنطقة فهي جزء منها وليكن ظلها ثقيلا. لا يفكر الولي الفقيه عادة بظلاله بل بما يلبي شهيته للالتهام.

ليس ذلك فحسب. إيران مطمئنة إلى مستقبل هيمنتها بسبب ما تظنه ثابتا من معادلات سياسية قائمة. قناعة هي دليل على تحجر عقلها السياسي الديني. فما يجري في العراق وسوريا لا يشكل صورة نهائية لمصيري البلدين. ذلك ما يمكن أن يتوقعه أي شخص عادي، لا تتخطى خبرته السياسية الدائرة التي تتحرك فيها الأخبار اليومية.

لقد شهدت مواقف الدول المعنية بالشأن السوري تحولات جذرية عبر سنوات الحرب السبع الماضية. وهي تحولات صنعت مزاجا مضطربا يتنقل بخفة بين الأمل واليأس. بين التأزم والانفراج. بين التصعيد وخفضه.

في وقت من الأوقات كان هناك اجماع غربي على ضرورة رحيل بشار الأسد. الآن لم يعد أحد يذكر ذلك الشرط. وإذا ما كانت تركيا في سنوات الحرب الأولى قد اكتفت بدور السمسار الوسيط فإنها اضطرت في زمن لاحق إلى التورط بالحرب مباشرة من خلال الدخول بقواتها إلى عمق الأراضي السورية فصارت طرفا في حرب تشعبت أهدافها.

إيران لا يمكنها أن تتعامل مع تلك المتغيرات بعقل لين. فهي لا تعرف ما الذي يعنيه أن العالم يتغير. فالتغير لا ينسجم مع منطلقاتها النظرية المتحجرة.

سيكون صادما لها أن يأخذ الصوت المعارض لوجودها في العراق شكل احتجاج شعبي عارم يطالب بإنهاء وصايتها وإبعاد ممثليها وتابعيها ومواليها عن السلطة.

وليس بعيدا أن نجد دورها في سوريا منحصرا بتمويل ميليشيا حزب الله بالسلاح والمال وهي الميليشيا التي سيتم الاستغناء عن خدماتها من قبل روسيا لانتفاء الحاجة إلى خدماتها.

لقد أقامت إيران اسطورة بقائها الدائم في سوريا والعراق على أساس معادلة طائفية لا يمكن أن تقاوم المتغيرات السياسية التي تُصنع في مختبرات الدول الكبرى التي لا تفكر في الطوائف والأقليات.

ما حصلت عليه إيران خامنئي مؤقتا واعتبرته بداية لنشوء امبراطوريتها التي تتألف مادتها من التنظيمات الإرهابية المسلحة لن يطول بها الزمن لتكتشف إنه لم يكن سوى سراب.

فما لا يستقيم مع المنطق السياسي العالمي أن يكون لدولة منبوذة ترعى الإرهاب وتعلن عن دعمها وتمويلها لعصاباته وجود في ظل رغبة عالمية لإعادة صياغة الأوضاع في العراق وسوريا.

 

فاروق يوسف