موقف عدائي آخر تتخذه الولايات المتحدة الامريكية ضد الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة ونضاله العادل ضد الاحتلال الإسرائيلي غير المشروع عبر قيام الكونغرس الأمريكي بالمصادقة على قانون قطع المساعدات للسلطة الوطنية إذا واصلت دفع إعانات لعائلات الشهداء والأسرى، وهو موقف أقل ما يقال فيه إنه يستجيب لمطالب الاحتلال الإسرائيلي وحكومته اليمينية المتطرفة ويتنكر لقرارات ومواثيق الشرعية الدولية التي تعتبر الأراضي الفلسطينية التي احتلتها إسرائيل منذ العام 1967 أراضي محتلة، وتلك التي تؤكد حق أي شعب يخضع للاحتلال في مقاومة هذا الاحتلال.

وواضح أن الشهداء والأسرى الذين تتلقى عائلاتهم هذه المساعدات هم شهداء وأسرى حرية ناضلوا من أجل التخلص من هذا الاحتلال غير المشروع، وهو حق نص عليه القانون الدولي.

إن ما يجب أن يقال هنا إن الولايات المتحدة الامريكية التي تمول وتسلح دولة احتلال غير مشروع بأكملها، كما أن استيطان هذه الدولة غير المشروع في الأراضي المحتلة يحظى بتبرعات ضخمة مصدرها الولايات المتحدة ، عدا عما تنفقه الحكومة الإسرائيلية من أموال المساعدات الرسمية الامريكية لتوسيع وترسيخ هذا الاستيطان، لا يحق لها بأي حال أن تحدد للشعب الفلسطيني وقيادته كيفية التعامل مع عائلات مناضليه من الشهداء والجرحى والأسرى، كما لا يحق لها توجيه المواعظ للشعب الفلسطيني وقيادته حول كيفية التصرف بهذا الشأن باعتبار ذلك أيضا تدخلا سافرا ومرفوضا في الشأن الفلسطيني.

وواضح أن الكونغرس الأمريكي الذي تغلغلت فيه الصهيونية العالمية واللوبي المؤيد لإسرائيل، داس منذ أمد بعيد على كل القيم والمبادئ والمواثيق والقرارات الدولية، ولذلك ليس غريبا أو مفاجئا أن يخرج هذا الكونغرس وفي ظل هذه الإدارة الامريكية المنحازة بالمطلق للاحتلال والمعادية للشعب الفلسطيني. ولكن يجب على الإدارة الامريكية وأعضاء الكونغرس المذكور أن يدركوا تماما أن الشعب الفلسطيني وقيادته اللذين يقدران شهداء وأسرى الحرية الذين ناضلوا وضحوا من أجل حرية شعبهم وإنهاء نير هذا الاحتلال غير المشروع، لا يمكن أن يقبلا بهذا الابتزاز الأمريكي الوقح، كما لا يمكن أن يقايضا كل أموال أمريكا بذرة كرامة وطنية من تلك الكرامة التي ضحى من أجلها الشهداء والأسرى والجرحى.

وكان من الأجدر بهذه الإدارة الامريكية وهذا الكونغرس أن ينظرا إلى نفسيهما بالمرآة كي يدركا أي تدنٍ أخلاقي وأي عزلة دولية هي التي وصلا إليها جراء رفضهما الشرعية الدولية ومواثيقها وقراراتها وجراء وقوفهما إلى جانب احتلال غير مشروع يرتكب يوميا انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة وانتهاكات جسيمة للقانون الدولي عموما إلى درجة أن بعض المنظمات الحقوقية الدولية المرموقة أكدت أن بعض ممارسات هذا الاحتلال يمكن تصنيفها تحت خانة جرائم الحرب وفق القانون الدولي.

لقد أكد الرئيس محمود عباس والقيادة الفلسطينية وكل أبناء شعبنا مرارا أن قضية مخصصات عائلات الشهداء والأسرى ليست مطروحة للمقايضة أو المساومة ، فشعبنا لا يمكن أن يتنكر لنضالات وتضحيات شهدائه وجرحاه وأسراه، ولن يقبل يوما مثل هذا الابتزاز، ومن الأجدر بالكونغرس والإدارة الامريكية وقف المساعدات السنوية الضخمة للاحتلال والاستيطان غير المشروعين، ومن الأجدر بهما وقف تسليح وتمويل كل هذه الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وللقانون الدولي، وان يدركا أن هناك عنصرا هاما في حياة كل شعب يؤمن بالحرية والعدالة وهو الكرامة الوطنية التي يرفض شعبنا أي مساس بها لا من أمريكا ولا غيرها.