عندما كان نيكولا ساركوزي يقول، يوم الجمعة الماضي، من مدينة الداخلة، إن المغرب يحق له أن يتباهى بكونه حافظ على الاستقرار وسط الفوضى التي تعرفها المنطقة، فمن المؤكد أن عددا ممن كانوا يستمعون إليه، في افتتاح منتدى كرانس مونتانا، خطر ببالهم كيف أسهم هذا الثعلب الفرنسي في سيادة وانتشار هذه الفوضى خصوصا في ليبيا، دون أن يخطر ببالهم أن الماثل أمامهم سيتم توقيفه فور عودته إلى باريس، بسبب ليبيا التي كان ديكتاتورها الراحل وابنه العائد إلى السياسة، سيف الإسلام القذافي، قد اتهماه بأخذ أموالها في 2007 ثم تدميرها بصواريخ الناتو في 2011، حيث كان الرئيس ساركوزي أكثر قادة العالم تحمسا لقصف ليبيا، وأشدهم شراسة في مواجهة انتقادات أمريكا للناتو ومطالبة إيطاليا بتعليق العمليات العسكرية على ليبيا.
في هذه المرحلة -ربيع 2011- عنَّ لي أن أنجز ما يشبه تحقيقا ثقافيا عن الكُتاب المغاربة الذين كانوا يهرولون إلى ليبيا القذافي، في مواسم البذل والعطاء، لمدحه بما يروقه أن يسمعه مما ليس فيه، وتمجيد أدبه المتسم بقلة الأدب. وفي سياق بحثي هذا، عثرت على نصَّي مداخلة، أو مُداهنة، الكاتبين إدريس الخوري وبشير القمري، اللذين كانا قد حجّا إلى جانب الصحافي السوداني-المغربي، طلحة جبريل، إلى ليبيا للمشاركة في ندوة كبيرة، تحت عنوان: «القذافي كاتبا ومبدعا».
عندما نشرتُ مقالي (التحقيق) خصص لي «بّا إدريس» الخوري حفلا من السب والتشنيع، المألوف والمقبول منه، امتد إلى أسابيع، وانتهى بصداقة وحوار مُسلسل، أجريته معه، دون أن أفوت فرصة العودة معه إلى قضيته مع القذافي، حيث أجابني بعنف: «أولا، أنا لم أرد أن أرد على مقالك المتحامل عليّ وعلى الأخ بشير القمري، وذلك لأنه مقال مبني على سوء نية. ثانيا، أنا لم أشد بما يسمى القذافي ولا بأدبه، بل الحكاية هي كالتالي: ذات يوم، كنت في أصيلا فالتقيت الأخ طلحة جبريل رفقة الصحافي التونسي الصافي سعيد، ودعاني إلى زيارة ليبيا، فسألته: ماذا سأفعل هناك؟ فأجابني بأنه يمكنني أن أكتب عن مجموعة قصصية للقذافي، عندها سألته مجددا: وهل القذافي كاتب؟ فقال لي: أكتب ما تشاء. وقرأت هذه المجموعة الرديئة أمام الجمهور بحضور التلفزيون. ثم، لماذا لا نتحدث عن «الشلة» المغربية الجامعية الأخرى التي كانت تتعيش من فلوس القذافي عبر مجلة «الوحدة»؟
لن أنتهي بالحديث عن نُسخ ساركوزي الرديئة من السياسيين المغاربة الذين كانوا يهرولون إلى القذافي بمناسبة أو بدونها، فمآلاتهم، هم وأحزابهم، ليست أحسن حالا من مآل القذافي ودولته، فقد أزرى بهم الدهر، ولا شماتة. كما لن أتطرق إلى المفكر الشيوعي-الإسلامي روجي غارودي، الذي لم يُصدقه أحد عندما قاد حملة بروباغاندا عالمية للإشادة بالكتاب الأخضر وتعظيم شأنه، بل سأتحدث عن مفخرة إسبانيا والمغرب، الكاتب العالمي الكبير خوان غويتيصولو الذي اختار العيش في مراكش والدفن في العرائش، والذي رفض سنة 2009 تسلم جائزة القذافي العالمية للأدب، وقال لرئيس لجنتها، الناقد المصري صلاح فضل: «إن مبلغ 150 ألف أورو، المخصص للجائزة، جاء من الجماهيرية العربية الليبية الشعبية، التي تأسست سنة 1969 عقب انقلاب عسكري قام به القذافي. إنني وبعد مناقشة داخلية وجيزة، بين قبول أو رفض الجائزة، ولأسباب سياسية وأخلاقية، قررت الاختيار الثاني. إنني لست شخصا ينساق مع القضايا دون قيود أو شروط. ففي إطار احترامي الخاص للشعوب العربية ولثقافتها الرائعة، كنت دائما، وكلما استطعت، أنتقد الأنظمة الخاضعة لرجال الدين والجمهوريات السلالية التي تحكمها وتبقي الشعوب في الفقر والجهل. إنني لم أجرِ يوما خلف الجوائز، وإن قبولي لها يكون دائما من باب التأدب مع من منحوني إياها. ولكن، في الحالة الراهنة، فإن الأمر مستحيل تماما».