يتضح من معطيات رسميه أن البنوك العاملة في بلادنا قد منحت قروضا استهلاكية بقيمة حوالي مليار وأربعمائة مليون دولار حتى الآن وأن قيمة هذه القروض قد ازدادت بحوالي 40 مليون دولار خلال العام 2017 فقط، وبات من المعروف أن جزءاً لا بأس به من دخل المواطن أو بالأدق من راتب الموظف، وبغض النظر عن مستواه أو طبيعته أو مكان عمله، سواء أكان في القطاع العام، أي في " الحكومة"، أو في القطاع الخاص أو حتى في المنظمات الأهلية والمدنية، يذهب وبشكل مباشر، الى البنوك، وبأنواعها من اجل سداد القروض ومنها القروض ألاستهلاكية، وهي كثيرة في بلادنا.

ومن الواضح كذلك أن جزءاً من الدخل يذهب أو ذهب الى تغطية أرباح البنوك على هذه القروض، او الفائدة التي تصاحب الحصول على القروض، والتي في العادة تقوم البنوك باقتطاعها مقدما، أي يتم دفعها قبل استخدام القرض وتحقيق أي فائدة منه. ومن الواضح أن نسبة المواطنين الذين يتم الاقتطاع من دخلهم كل شهر أو بالأدق مع دفعة كل راتب قد ازداد أو هو في ازدياد متواصل، وما الى ذلك من تبعات اقتصادية على القوة الشرائية للجزء المتبقي من الراتب، وتبعات اجتماعية ونفسية على صعيد الأسرة والعلاقات والمجتمع.

ويبدو ان ثقافة الإقراض والقروض والاستدانة لم تكن حكرا على المواطن أو الموظف فقط، بل إنها تشمل الحكومة، سواء أكانت تقترض من الداخل، من البنوك والقطاع الخاص وصندوق التقاعد، أو من الخارج مثل البنك الدولي والدول وبنوكها والمؤسسات الدولية المقرضة، وحسب المعلومات الأخيرة التي رافقت النقاش حول الميزانية الحالية، فأن حجم ديون الحكومة المتراكم قد بلغ حوالي أربعة مليار دولار أمريكي، ومع عجز متوقع في الميزانية الحالية يقدر بحوالي مليارات الدولارات، وهذا يعكس مدى ثقافة العمل وأساليب تغطية أو مواصلة العمل التي تعمل الحكومة من خلالها، وما لذلك من تداعيات على المدى القصير من خلال تراكم نسب الفائدة او على المدى البعيد، على صعيد اتخاذ القرارات ومدى التحكم في اتخاذها.

وبما ان القروض أو الاستدانة هي نهج عمل أو جزء من العلاقات الاقتصادية والمالية المتواجدة في كل بلد تقريبا، فأن المهم من الحصول عليها، الأهداف أو الأعمال المتوخاة من ذلك، أي ما يتم العمل بها، ومن خلال نظرة سريعة، نجد ان جزءاً كبير من هذه القروض التي يحصل عليها المواطن يتم استخدامها لأشياء استهلاكية محضة، مثلا شراء سيارة او غيرها، وان جزءاً من ديون الحكومة تم او يتم استعمالها لتسديد فاتورة الرواتب او الالتزامات او النفقات الجارية الأخرى.

أي بمعنى آخر لا يتم استثمار هذه القروض سواء من قبل الموظف او الحكومة في مشاريع او أعمال لها صفة الاستدامة، أي تعمل على توليد مصادر او دخل يوازي تكاليف القرض وما يترتب عليه، وبالتالي سوف تلجأ الحكومة الى المزيد من الاستدانة ومع زيادة التكاليف لتغطية الرواتب للموظفين، ومن ثم سوف تقوم البنوك باقتطاع جزء منها على شكل قروض وفائدة القروض من الموظف، وهكذا تستمر الحلقة، مع المزيد من المضاعفات الاقتصادية والاجتماعية والنفسية، سواء أكان لحكومة تتمتع بمصادر محدودة وبقيود متزايدة، أو لجزء كبير من أكثر من 150 ألف موظف، الذين أصبحت القروض والاستدانة وتبعاتها جزءاً من حياتهم وما لذلك من تبعات في مختلف المجالات.


 د. عقل أبو قرع