من منا لم يسمع أو قرا عن حكاية النملة و الصرصور لكاتبها "لافونتين"... الصرصور الكسول الذي يمضي الصيف يغني و يرقص في الوقت الذي تكد فيه النملة لتخزين الغذاء استعدادا للشتاء... وحين يأتي الطقس البارد، يتوسل الصرصور إلى النملة لتعطيه الغذاء فترفض طلبه ويموت من البرد و الجوع.  

و مع أن قضيتنا الوطنية أعقد مما نراه في حكاية "لافونتين"، إلا أن هناك أمورا كثيرة في واقعنا كشعب تتشابه مع هذه الحكاية: ففي قضيتنا النملة هي المغرب والصرصور هي القيادة الصحراوية الحالية... هذه الأخيرة أصبح تدبيرها للملف يشبه كثيرا غناء الصرصور في الصيف...  مجرد أقوال بلا أفعال... لا شيء ملموس يجعلنا نؤمن بأن تنظيمنا السياسي جاد في الوصول إلى الهدف المنشود، كل سنة تعزف القيادة الصحراوية على نفس الأوتار السياسية لتنتج سمفونية كئيبة بلا معنى، سواء تعلق الأمر بتهديداتها المتكررة للعودة إلى الحرب آو بيانات الأمانة الوطنية عقب اجتماعاتها أو رسائل الرئيس التنديدية و التحذيرية إلى المنتظمين الدولي و الإفريقي

  حالة الكسل التي تعيشها القيادة الصحراوية في تدبيرها للقضية الوطنية على المستوى الدولي، يجعلها تعيش حالة من العوز السياسي و الدبلوماسي في الأوقات الحساسة، خصوصا مع اقتراب مناقشة الملف بأروقة مجلس الأمن الدولي، و هي الحالة التي  تنعكس كذلك على النشاط النضالي بحيث يعيش هو الأخر حالة من الركود و الشلل، بسبب اعتماده  - منذ سنوات - على نفس الوجوه التي تنتهج أسلوب "المسلكية الانتهازية".

و"المسلكية الانتهازية" هي أسلوب عرفته بعض الحركات الثورية في العالم، يقوم على الاعتماد على مناضلين غير مؤمنين بحتمية النصر في مسعاهم النضالي و مع ذلك ينخرطون في الفعل الثوري و يستمرون فيه بدوافع مادية و طموحات شخصية، ولكنّهم في الجانب الآخر غير مستعدين لأن يدفعوا أيّ ثمن فعلي أو تضحية حقيقية، و لذلك فالإستراتيجية التي اعتمدتها مؤخرا  القيادة الصحراوية لخلق حراك ميداني فات أوانها وأكل عليها الدهر وشرب، سواء تعلق الأمر بخلق خلايا سرية أو تكوين تنسيقيات محلية للعمال و الطلبة و المرأة و الشباب  مرتبطة بالتنظيمات الجماهيرية بمخيمات تندوف.

هذه الإستراتيجية و إن كانت  نظريا مجدية و واعدة،  إلا أنها - من المؤكد  - لن تنتج  سوى إطارات  مشلولة و ميتة، بحيث لن يكون لها أي تأثير على أرض الواقع، و السبب واضح بطبيعة الحال  و هو أن التركيبة البشرية لهذه التنظيمات لن تخرج عن الوجوه المعروفة لدى الأجهزة الأمنية المغربية، و بالتالي من الغباء النضالي أن تخلق خلايا سرية بأعضاء محروقين أمنيا،  و لا يمكن كذلك أن تنتظر  القيادة الصحراوية رؤية نضال عمالي وازن ما دام  العمال الصحراويون موظفون لدى المغرب أو أجراء لدى شركات خاصة، أي أنهم معرضون لقطع رواتبهم، فمن لا يملك خبزه لا يملك حريته .

من جانبه، يعمل المغرب كالنملة، ليكرس تواجده بكل الأساليب و على الأصعدة السياسية والاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و الرياضية، و يكفي مشاهدة التطور العمراني الذي تعرفه مدينة العيون و المشاريع الاستثمارية الضخمة المرصودة في إطار ما يسمى بالنموذج التنموي ، لنعرف أن النملة تستعد للشتاء و مع أني اعلم علم اليقين بأن النملة و الصرصور سعداء الآن  ما دام الوضع الحالي يخدم الجميع ، فإني  لا أتمنى أن يأتي على صرصورنا المبجل يوم يقف فيه على باب النملة يستجدي قطعة أرض تراب تقيه برودة اربعة عقود من اللجوء.

الغضنفر للجزائر تايمز