إنتهاك الطائرة الإيرانية المسيرة للأجواء الإسرائيلية، والرد الإسرائيلي بقصف الأهداف السورية والإيرانية، دفع الكثير من المراقبين للاعتقاد بأن التوتر المتنامي الناجم عن مثل تلك الأحداث، قد يؤدي الى نشوب حرب بين إسرائيل وإيران وحزب الله، ولربما دون قصد مع سوريا أيضا. أنا لا أتفق مع هذا التكهن وأظن أن أياً من اللاعبين المعنيين لا يريد الدخول في حرب من شأنها إلحاق دمار وخسائر هائلة، دون تحقيق أي مكاسب على المدى الطويل. غير أن هذا قد لا يحول دون وقوع حرب عرضية ناجمة عن حادث غير مقصود أو سوء تقدير.

وبغض النظر عن الحدة التي تتبدى من كل طرف والتهديدات المتبادلة، فإن تجنب الحرب أفضل ما يخدم مصالحهم الاستراتيجية. والسؤال الذي يطفو الى السطح: أي نوع من الإجراءات الاحترازية يجب أن يتخذها اللاعبون المعنيون، وخاصة تعاون روسيا مع الولايات المتحدة لمنع مثل هذا التطور المشؤوم؟

إن الهيمنة على المنطقة تشكل المصلحة الاستراتيجية الكلية لإيران، وهي عازمة على تحقيق هدفها من خلال تأمين تواصل جغرافي من الخليج إلى البحر الأبيض المتوسط، حيث تمثل سوريا نقطة أساسية حاسمة، إضافة الى خلق جبهة موحدة لتهديد إسرائيل. ولحماية قاعدتها ونفوذها في سوريا، سارعت إيران إلى استغلال الحرب الأهلية لتزويد الأسد بمئات ملايين الدولارات، وآلاف المقاتلين المدربين جيداً، والمعدات العسكرية لمساعدته في هزيمة المتمردين وتنظيم «داعش». وبعد أن فقدت إيران أكثر من 500 ضحية، باتت أكثر تصميماً على جني ثمار جهودها بالسعي للوجود العسكري الدائم في سوريا.

الهدف الثاني لإيران يتمثل بالحفاظ على حالة من التهديد الدائم لعدوها اللدود إسرائيل من خلال السعي للوجود العسكري قرب الحدود الإسرائيلية. وتستخدم إيران إسرائيل على اعتبار أنها الجاذب للمتطرفين العنيفين لغرض دعم حروبها بالوكالة وتوسيع أجنحتها الإقليمية. ومن خلال مواصلة هجومها العلني ضد إسرائيل، تأمل إيران في الحفاظ على حالة العداء ضدها وزيادة المخاوف من "الخطر الإسرائيلي" ضد العالم الإسلامي.

يضاف إلى ذلك أن إيران تواصل تعزيز ترسانة حزب الله في لبنان، أولاً، لأنها تريد تأمين موطئ قدمها في ذلك البلد. وثانياً، لأنها تريد فتح ثلاثة جبهات استراتيجية في سوريا ولبنان، ولربما غزة عن طريق حماس، يمكنها من خلالها تخويف إسرائيل واختبار عزمها، وخلق توترات جديدة يمكن التحكم بها، كما فعلت في الآونة الأخيرة عندما أطلقت الطائرة بدون طيار فوق السماء الإسرائيلية، والتي سرعان ما أسقطتها إسرائيل.

وهذا يعني أنه بالرغم من تبجحها، لا تريد طهران تحدي إسرائيل عسكريا، علما أن الأعمال العدائية القائمة الآن وحتى في المستقبل المنظور، يمكن أن تؤدي بإسرائيل الى رد هائل يتجاوز بكثير الانتقام عقب توغل إيران في المجال الجوي الإسرائيلي، مع القدرة على إلحاق الهزيمة المهينة.

وأخيراً، تريد إيران الحفاظ على الإتفاق النووي وعدم منح ترامب المسببات لإلغائه. ورغم أن ترامب قد ينسحب من الإتفاق، تريد إيران أن تظل في موقف جيد مع الدول الخمس الأخرى الموقعة عليه لتجنب استئناف العقوبات، خاصة في وقت يتذمر فيه الشعب الإيراني ويطالب بتحسين الأوضاع الاقتصادية وبحريات إجتماعية أكبر.

ولتجنب أي سوء تقدير قد يؤدي إلى حرب كارثية مع إسرائيل، على إيران تجنب إقامة قواعد عسكرية بالقرب من الحدود الإسرائيلية وبنائها في أقصى الشمال في سوريا. وبذلك، تساعد إيران أيضاً في منع أي تهديد جدي لسيطرة الأسد على السلطة، وهو ما تتذرع به طهران لوجودها المستمر في البلاد، والذي يفترض أن يشكل الأولوية القصوى في مخططها للهيمنة الإقليمية.

من الحكمة لطهران كبح جماح حزب الله ومنعه من استفزاز إسرائيل، لأن أي مواجهة بين إسرائيل وحزب الله قد تدمر الكثير من بنيته التحتية ومخزونه من الصواريخ. وبعد كل ذلك، إيران معنية أكثر في الإبقاء على التهديد لإسرائيل من الجبهة اللبنانية، ما يخدم مصالحها الاستراتيجية طويلة المدى لترسيخ أقدامها في لبنان من خلال الحفاظ على حزب الله القوي.

انضم حزب الله إلى الجيش السوري لمحاربة المتمردين على امتداد الحرب الأهلية الدائرة. وعلى الرغم من أن الكثير من قواته المقاتلة أصبحت أكثر صلابة، إلا أن حزب الله يتعرض الآن لضغوط متزايدة للتركيز على إعادة الحياة الطبيعية للمجتمع الشيعي الأكبر في لبنان، بينما يعيد تجميع صفوفه في هذه العملية. خسر حزب الله ما يقارب من 1،300 من مقاتليه، ولبنان نفسه عانى كثيراً من الحرب الأهلية السورية وما زال يدفع ثمناً باهظاً في جهوده لاستيعاب أكثر من مليون لاجئ سوري.

سيحافظ حزب الله، من خلال الدعم الكامل من إيران، على موقفه التهديدي لإسرائيل عبر مواصلة جهوده لزيادة مخزونه من الأسلحة، لكنه لن يتحدى إسرائيل عسكريا. ويعلم حزب الله أن عتبة إسرائيل في الإصابات منخفضة للغاية، وأن موت 40-50 إسرائيليًا من صواريخ حزب الله سيؤدي إلى ضربات انتقامية هائلة يمكن أن تتسبب بالآلاف من الضحايا اللبنانيين، وهو ما يريد الحزب تفاديه. على أي حال، لن يشرع حزب الله بأية أعمال عدائية ضد إسرائيل دون موافقة طهران لأن مثل هذه الخطوة لا تخدم طموحات إيران الاستراتيجية الإقليمية.

وفي كل الأحوال، ستواصل إسرائيل مهاجمة القوافل التي تنقل الأسلحة من إيران إلى حزب الله، كما ستستهدف أي منشأة لتصنيع السلاح على الأراضي اللبنانية. وهذا بطبيعة الحال، يحمل مخاطر معينة من تصعيد الأعمال العدائية. وبما أن حزب الله وإيران يريدان تجنب الحرب، فإنهما سيتعاطيان مع تلك الهجمات الإسرائيلية بنفس الطريقة التي عالجا بها الهجمات السابقة بالحديث القليل وعمل الأقل. مع هذا فإن ذلك لا يوحي بأن إسرائيل مطلقة اليد لتفعل ما تشاء. وستقاس الضربات الإسرائيلية على خلفية البيئة العامة، التي تقيدها رغبة إسرائيل نفسها في تجنب حرب مفتوحة ما دامت لا تهدد وجودها.

نظام الأسد: منذ توليه السلطة عام 2000، لم يفكر الرئيس الأسد في شن حرب ضد إسرائيل. ومثل والده، التزم كليًا باتفاقية فك الارتباط مع إسرائيل عام 1974. وفي الواقع، على امتداد فترة حكمه، قام الأسد بمبادرات سلام عديدة تجاه إسرائيل، معتقدا أن الاستقرار والازدهار المستقبلي لسورية يعتمد على السلام مع إسرائيل، أو على الأقل الحفاظ على غياب الأعمال العدائية.

منذ اندلاع الحرب الأهلية، عمل الأسد على التأكيد على عدم إعطاء إسرائيل أي سبب لدخول النزاع. والآن بعد أن أصبح على وشك الإنتصار على المتمردين وداعش، بدعم جوهري محوري من روسيا وإيران، فهو أكثر تصميماً على تجنب أي مواجهة عسكرية مع إسرائيل، والتي تريد روسيا بشكل خاص تجنبها في كل الأحوال.

ومع هذا، يجد الأسد نفسه في مكان صعب: فمن ناحية، يعرف أن بقاءه يعتمد على الدعم المستمر من إيران وروسيا، ومن ناحية أخرى يريد أن يبقي إيران تحت السيطرة لتجنب حرب مع إسرائيل. وفي هذا الصدد، يتفق مع روسيا، التي تريد أيضاً أن تبقي إيران بعيدة.

ولتجنب أي سوء تقدير قد يؤدي إلى مواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران، على الأسد نفسه ضبط إيران ومنعها من إقامة أي منشآت عسكرية على مقربة من الحدود الإسرائيلية. ويمكن للأسد أن يوضح أن مثل هذا الوجود العسكري الإيراني سيؤدي إلى شن هجمات إسرائيلية، قد تورط سوريا وتقوض أمنها القومي إلى درجة كبيرة. ويمكن للأسد في هذا الصدد الاعتماد على روسيا لدعم موقفه، خاصة لأن موسكو نفسها لا ولن تسمح لإيران بأن تكون لها اليد المطلقة في سوريا.

ومع اقتراب هزيمة داعش وتراجع تصعيد الصراع مع المتمردين، يتعين على الأسد الإصرار على مغادرة الميليشيات الإيرانية الذين في غالبهم غير إيرانيين، وولاءهم لرواتبهم وليس إلى القضية الإيرانية، وعلى الأسد بعث رسالة واضحة عبر القنوات المناسبة لإسرائيل بأنه لن يورط إسرائيل عسكرياً ولن تقنعه إيران للتفكير بخلاف ذلك، ومن المؤكد في هذا الصدد أن تقدم روسيا دعمها الكامل للأسد.

أخيراً، وبغض النظر عمّا يدين الأسد به لحزب الله، فإنه لا يزال في موقف يسمح له بمطالبة الحزب بعدم استفزاز اسرائيل من الأراضي السورية تحت أي ظرف من الظروف. والأكثر من ذلك، إذا كان الأسد يريد استعادة الاستقرار وبدء إعادة الإعمار، عليه إخلاء بلاده من المحرضين المحتملين. وهذا يعني أن على الأسد عدم السماح بوجود دائم لحزب الله في سوريا، ما يستدعي هجمات إسرائيلية في حالة وقوع أية أعمال عدائية عرضية أو متعمدة بين إسرائيل وحزب الله.

تنظر إسرائيل إلى إيران على أنها العدو الأول الذي يعتزم القضاء عليها، وهي مصممة على تدمير أي قواعد عسكرية إيرانية في سوريا تقع على مقربة من حدودها. وستواصل إسرائيل، كما فعلت في الماضي، مهاجمة قوافل الأسلحة المتطورة من إيران إلى حزب الله عبر سوريا. وتتهم إسرائيل إيران بالتورط المنتظم في الأنشطة التخريبية لتقويض أمنها وتحريض الفلسطينيين على المعارضة العنيفة لاحتلال الضفة الغربية والحصار المفروض على غزة. وتعتقد إسرائيل أن إيران عازمة على امتلاك أسلحة نووية بمجرد انتهاء مدة مقدمة خطة العمل الشاملة المشتركة (الإتفاق النووي الإيراني)، لا سيما المرحلة الأولى حيث سيسمح لإيران بعدها بالإستئناف التدريجي لتخصيب اليورانيوم (مع بعض القيود). ولهذا السبب تبذل إسرائيل جهوداً هائلة لإقناع إدارة ترامب، كما قال رئيس الوزراء نتنياهو: "إصلاحه أو رفضه".

ومع أن إسرائيل واثقة من نصرها في أي مواجهة عسكرية ضد الأعداء المحيطين بها، لكنها استنتجت بأنه لن يكون هناك فائدة على المدى الطويل من شن الهجمات الوقائية ضد القوات الإيرانية أو السورية أو حزب الله لتدمير مخزون حزب الله من ما يقرب من 150 ألف صاروخ قصير ومتوسط المدى مخزنة وسط المدنيين، ما يتعين بإسرائيل القيام ولو جزئيا على الأقل، بقصف سجادي يمكن أن يؤدي الى مقتل عشرات الآلاف من المدنيين. وستقوم إسرائيل بضربة إستباقية فقط في حال واجهت تهديدًا وشيكًا.

وليس لإسرائيل أي عداء مع النظام السوري، وترغب في بقاء الأسد في السلطة طالما أنه يحد من المناورة الإيرانية ويحقق تفاهماً واضحاً مع إيران بأنه لن يسمح بأن تصبح سوريا ساحة المعركة بين إسرائيل وإيران وحزب الله.

ولتجنب أي سوء فهم أو تقدير، على إسرائيل الإيضاح بأنها تريد الابتعاد عن الحرب في سوريا. وهذا يعني أن على إسرائيل أن تؤكد لإيران وحزب الله عبر روسيا بأنه في حالة تعرضها لأية تهديدات، فإنها سترد بقوة هائلة لا تتناسب مع أي استفزاز من الطرفين.

وعلى إسرائيل أن تعّرف علانية ما يشكل أعمالاً استفزازية والتي تشمل من منظور إسرائيلي انتهاك مجالها الجوي وإطلاق الصواريخ أو تسلل الإرهابيين إنطلاقا من الأراضي اللبنانية أو السورية. وعلى إسرائيل التوضيح أن أيًا من هذه الانتهاكات يشكل خطا أحمر لا يمكن لإيران أو أي من وكلائها اجتيازه وهم يتمتعون بالحصانة.

ويجب على إسرائيل التوضيح بشكل كامل لا لبس فيه لطهران عبر روسيا أنها ستدمر أية منشآت عسكرية بالقرب من حدودها، وإذا كانت إيران ستقوم بالتصدي للهجوم فإن إسرائيل لن تتردد، كما قال نتنياهو مؤخراً، في قصف أهداف محددة في الأراضي الإيرانية. وفي أي حال، فإن الجمهور الإسرائيلي متفهم نفسياً للخطر الإيراني ويتوقع أن تتخذ حكومته الإجراءات الضرورية لإلحاق أذي غير مقبول بالعدو.

روسيا هي القوة الأكثر سيطرة في سوريا ولا يمكن إجراء أي حل للحرب الأهلية السورية أو إقامة أي نظام سياسي جديد بين الفصائل المختلفة دون موافقة روسيا. وهي موجودة في سوريا منذ ما يقارب من 50 عامًا عندما أقامت موسكو قاعدتها البحرية في طرطوس، ولديها طموح دائم بملء الفراغ الذي خلقته إدارة أوباما التي اختارت البقاء إلى حد بعيد خارج الصراع في سوريا.

انتهز الكرملين الفرصة ليأتي لمساعدة نظام الأسد الذي كان على وشك الانهيار، من خلال إرسال قوات برية بالإضافة إلى القوات الجوية لقصف العديد من أهداف المتمردين وداعش ما حول مصير الحرب لصالحه. والآن، تستخدم روسيا وجودها المهيمن في سوريا كنقطة انطلاق يمكن من خلالها ممارسة نفوذ أكبر في أنحاء الشرق الأوسط وهو الموقف الذي كانت تتبعه طوال السنوات العشر الماضية.

وحتى إسرائيل التي تسعى تقليديا إلى الحصول على الضوء الأخضر من الولايات المتحدة قبل القيام بأي ضربات عسكرية كبيرة، عليها الآن الحصول على موافقة روسيا قبل أن تهاجم منشآت إيران والأسد العسكرية في سوريا. وعلى الرغم من أن روسيا وإيران تتعاونان في الدفاع عن الأسد، غير أن روسيا تريد الحد من نفوذ إيران في سوريا - أولا لأنها تريد أن تبقى اللاعب الوسيط الرئيسي في سوريا، وثانيا، لأنها تريد منع أي مواجهة عنيفة بين إسرائيل وإيران لتجنب المزيد من إنعدام الاستقرار في سوريا، ما قد يقوض مصالحها الاستراتيجية.

ومن المؤكد أن بوتين يريد تأمين وضع روسيا الخاص في سوريا وهو مصمم على منع إيران وحزب الله وإسرائيل وحتى الولايات المتحدة من إفساد مكاسبه ونفوذه، ولن يسمح لأي من الخصوم بالتدخل دون تعاون روسي.

وبذلك، فإن روسيا في وضع متميز لتجنب أي خطأ في الحساب قد يؤدي إلى حرب غير مقصودة، ولهذا الغرض يتعين على بوتين وضع قواعد الاشتباك التي يجب على جميع المقاتلين الالتزام بها، إلا إذا واجهوا تهديدًا وجوديًا وشيكًا:

أولا، على روسيا التوضيح لإيران بأنه لن يُسمح لها بإنشاء أية قواعد عسكرية بالقرب من الحدود الإسرائيلية.

ثانياً، يجب أن ترسل رسالة واضحة إلى حزب الله بأنه يجب عدم إغرائه لإستفزاز إسرائيل. وفي هذا الصدد، لا تستطيع روسيا منع إسرائيل من القيام برد انتقامي هائل يمكن أن يقوض مصلحة موسكو الاستراتيجية.

ثالثاً، يجب أن يضبط بوتين تركيا لإيقاف توغلها في الأراضي السورية وتخليص أردوغان من وهم إخضاع الأكراد السوريين، لأن هذا سيفاقم فقط الصراع وإطالة أمده في سوريا. فبوتين مقتنع بأن تركيا تريد الحفاظ على وجود دائم في سوريا، ما يشكل الوصفة لاستمرار العنف بين القوات التركية ووحدات حماية الشعب، وهو عامل آخر مزعزع للاستقرار.

رابعاً، على بوتين الآن السعي للتدخل الأمريكي في البحث عن حل دائم للحرب الأهلية في سوريا. وتبقى الولايات المتحدة قوة إقليمية مهيمنة، وعلى الرغم من أن روسيا هي الوسيط الرئيسي في سوريا، إلا أن دعم الولايات المتحدة يبقى حاسماً إذا لم يكن هناك أي سبب آخر غير علاقاتها الوثيقة مع إسرائيل، قد يستدرجها لحرب مستقبلية بين إسرائيل وإيران وحزب الله.

الولايات المتحدة: من المؤسف أن إدارة ترامب التي اتبعت الى حد كبير سياسة أوباما تجاه سوريا، تواجه الآن واقعاً جديداً. ولا يبدو أن للولايات المتحدة في ظل إدارة ترامب استراتيجية واضحة حول كيفية التعامل مع النزاع. وعلاوة على ذلك، فإن حصر التدخل الأمريكي المباشر في الصراع فقط لردع الأسد عن استخدام الأسلحة الكيماوية ضد شعبه، كما فعل ترامب من قبل، لم يكن له تأثير يذكر على مسار الحرب وعلى سلوك الأسد، طالما كان بإمكانه الاعتماد على الدعم الروسي.

الوضع الحالي في سوريا يختلف لأربعة أسباب:

١) الرئيس الأسد، الذي استبعدته إدارة أوباما من كونه جزءاً من الحل، ضمن أنه باق وسيكون بالتأكيد "منتخباً" بمجرد إجراء انتخابات جديدة.

٢) مشاركة إيران المباشرة في الحرب الأهلية السورية وطموحها في ترسيخ نفسها بالكامل في البلاد هي حقيقة ترى فيها إسرائيل تهديدا لأمنها.

٣) حتى عندما تنتهي الحرب الأهلية، سيظل الصراع الطائفي والتنافس على السلطة يطاردان البلاد لسنوات، ما يشكل وصفة لزعزعة الاستقرار تؤثر على الحلفاء الإقليميين للولايات المتحدة.

٤) جزء كبير من البلاد مدمر ويتطلب عشرات المليارات من الدولارات لإعادة البناء التي تقتضي بالضرورة الدور القيادي للولايات المتحدة في جمع الأموال اللازمة.

ولتفادي سوء التقدير الذي قد يؤدي إلى حرب غير مقصودة بين إسرائيل وإيران وحزب الله ولربما تورط سوريا غير المقصود، على الولايات المتحدة القيام بما يلي:

أ) الحفاظ على وجود القوات الأمريكية والمستشارين الذين تم إرسالهم إلى سوريا لمحاربة داعش، وحتى تعزيزهم لتزويد الولايات المتحدة بأداة الضغط التي تحتاجه للعب دور مهم في البحث عن حل بالتنسيق مع روسيا.

ب) يجب على الولايات المتحدة إعادة تأكيد التزامها بالأمن القومي لإسرائيل. بالإضافة إلى ذلك، وعلى الرغم من التنسيق الدفاعي الاستراتيجي الحالي بين البلدين، ينبغي بإدارة ترامب النظر في إصدار بيان ينسجم مع التزامها بحلف الناتو. وعلى الولايات المتحدة الإعلان بأن أي هجوم كبير على إسرائيل سيشكل هجومًا على الولايات المتحدة. ومن شأن ذلك ردع إيران من مجرد التفكير في أي أعمال عدائية كبرى ضد إسرائيل.

ج) من الناحية المثالية، ينبغي على ترامب التركيز على تعديل الإتفاق النووي الإيراني بالتعاون مع الدول الخمس الأخرى الموقعة عليه، وأن يقوم بذلك عبر القنوات الدبلوماسية بدلاً من إصدار إنذار نهائي للانسحاب منه بالكامل بحلول آيار، الأمر الذي لن يؤدي إلا إلى زيادة التوترات الإقليمية. ومع إدراك كره ترامب لإيران ووصفه للاتفاق بأنه "الأسوأ على الإطلاق"، فقد ينسحب منه. فعلى الأقل لا يجدر أن يعيد فرض العقوبات لإتاحة الفرصة للموقعين الآخرين لتعديله عبر المفاوضات.

وإلا، فإن الانسحاب المتهور من الإتفاق لن يؤدي إلا إلى زعزعة الإيرانيين فقط ويدفعهم إلى التخلي عنه تماماً، ما سيقود إلى انتشار الأسلحة النووية في المنطقة، وهو ما تريد الولايات المتحدة وحلفاؤها في المنطقة تجنبه. علاوة على ذلك، ففي الوقت الذي تريد فيه الولايات المتحدة التفاوض مع كوريا الشمالية على نزع الأسلحة النووية، عليها ألا تلغي الإتفاق الإيراني من جانب واحد والتوقع بأن يثق الكوريون الشماليون بها للوفاء بالتزاماتها.

والمفارقة أن لا أحد من اللاعبين المشاركين بشكل مباشر أو غير مباشر في الحرب الأهلية في سوريا يريد تصعيد الصراع بتهديد إسرائيل، التي لن تتورع عن استخدام أي شيء لحماية أمنها القومي، بخاصة إذا اعتبر التهديد وجودياً. ويدرك كل طرف أنه بغض النظر عن مدى الضرر الذي قد تتكبده إسرائيل في مثل هذه الحرب، فإنها ستخرج منتصرة بينما تلحق ضررا غير مسبوق بأعدائه.

في التحليل النهائي، يتم قياس أي حل للنزاع من خلال الخسائر أو المكاسب المتوقعة. ولا يوجد شيء هنا يفترض بأن أي طرف من الأطراف المعنية يتوقع تحقيق مكاسب إستراتيجية طويلة الأجل تبرر حرباً كارثية. ويمكن أن تندلع الحرب نتيجة سوء تقدير، لكن يمكن تجنب ذلك. وعلى روسيا على وجه الخصوص والولايات المتحدة التعاون والميل بشدة على حلفائهما لمنع سوء تقدير كهذا.

 أ. د ألون بن مئير