كان كلام الأمير محمد بن سلمان وليّ العهد السعودي، عن ان بلاده ستحصل على القنبلة النووية "سريعا" في حال استطاعت ايران تطوير مثل هذا السلاح، كلاما طبيعيا. يندرج هذا الكلام في سياق ما يمكن ان يحدث في غياب من يقول عن ايران ما يجب قوله من دون زيادة او نقصان.

ثمة واقع لا يمكن تجاهله. يتمثّل هذا الواقع في انّ دخول ايران النادي النووي ليس سوى دعوة الى سباق للتسلح في المنطقة كلّها. ستحاول غير دولة قريبة من ايران إيجاد توازن رعب، تماما كما هي الحال بين الهند وباكستان وكما كان الوضع السائد بين الولايات المتّحدة والاتحاد السوفياتي ايّام الحرب الباردة التي يوجد في موسكو من يحاول بعث الحياة فيها.

كان هناك دائما وعي سعودي للخطر الايراني خصوصا بعد ثورة 1979 التي أطاحت الشاه. هذا لا يعني ان العلاقات العربية – الايرانية كانت سمنا وعسلا في عهد محمد رضا بهلوي الذي أراد ان يلعب دور "شرطيّ الخليج". كان الدليل على ذلك انّ احتلال الجزر الاماراتية الثلاث (أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى) كان في عهده في العام 1971. لكن الشاه عرف دائما انّ هناك حدودا لا يمكن تجاوزها وحافظ على حدّ ادنى من التفاهم مع جيرانه الخليجيين واحترم قرار شعب البحرين الرافض للارتباط بايران، وهو القرار الذي عبّر عنه هذا الشعب في استفتاء لا غبار عليه. كذلك، لم يكن التدخل الايراني في سلطنة عُمان لاخماد ما سمّي "ثورة ظفار" المدعومة من النظام الذي أقامه الاتحاد السوفياتي في اليمن الجنوبي، بعيدا عن رغبة عربية عامة. كانت هذه الرغبة تتلخّص في عدم تمكين الاتحاد السوفياتي من توسيع موطئ القدم الذي اوجده لنفسه في شبه الجزيرة العربية.

في العام 1964، بعد خلافة الملك فيصل بن عبدالعزيز للملك سعود، كانت الزيارة الخارجية الاولى التي قام بها العاهل السعودي الجديد لطهران وليس لايّ مكان آخر. تحقّقت مصالحة سعودية – إيرانية سمحت بطي صفحة الماضي وساهمت في تحقيق حدّ ادنى من الاستقرار في منطقة الخليج في ظلّ تنافس أميركي – سوفياتي وصعود الموجة الناصرية.

لم ترسل ايران منذ العام 1979 ايّ إشارة طمأنة الى اهل الخليج. لم تتخلّ عن شعار "تصدير الثورة" الذي رفعه ايه الله الخميني مؤسّس "الجمهورية الإسلامية" في ايران. اعتبرت ايران انّ في استطاعتها الذهاب بعيدا في لعب دور القوّة الإقليمية المهيمنة مستفيدة من سقوط العراق في العام 2003 وهو عام الانطلاقة الجديدة لعملية "تصدير الثورة".

تلازم كلّ ما قامت به ايران منذ العام 1979 بنوع من الاستخفاف بالعرب عموما من جهة والرغبة بالانتقام من جهة أخرى. تظهر هذه الرغبة بالانتقام في العراق خصوصا عبر استهداف كلّ الرموز، بما في ذلك كبار الضباط والطيارون، أي الرموز التي تذكّر بحرب 1980- 1988. انتهت تلك الحرب بشبه انتصار عراقي تحقّق في جزء منه بفضل الدعم العربي الذي غاب عنه حافظ الأسد ومعمّر القذّافي.

ليس الكلام عن السلاح النووي الكلام الاهمّ في المقابلة التي أجرتها محطة "سي. بي. اس" مع وليّ العهد السعودي قبل ايّام من لقائه المتوقع مع الرئيس دونالد ترامب. الكلام الاهمّ هو ذلك الذي يقارن "المرشد" الايراني علي خامنئي بالزعيم النازي ادولف هتلر. تشير هذه المقارنة الى استيعاب سعودي كامل لابعاد المشروع التوسّعي الايراني. انّه تعبير عن انضمام سعودي علني للفكرة القائلة ان المشكلة ليست في الملفّ النووي الايراني، بل في ان ايران "التي تريد ان تتوسّع" على حد تعبير وليّ العهد. لذلك، لا مجال لايّ تهدئة معها نظرا الى ان ذلك يزيد لديها شهيّة التوسّع. يشبه الوضع القائم حاليا في الخليج والشرق الاوسط ذلك الذي كان سائدا في اوروبا عشية الحرب العالمية الثانية.

في آخر أيلول – سبتمبر 1938، انعقد مؤتمر ميونيخ الذي استهدف مهادنة هتلر وغض الطرف عن احتلاله لقسم من الأراضي التابعة لتشيكوسلوفاكيا (صارت دولتين الآن) بحجة ان سكان هذه الأراضي من أصول المانية. كانت بريطانيا من بين الدول التي وقعت معاهدة ميونيخ ممثلة وقتذاك برئيس الوزراء نيفيل تشامبرلين.

لدى عودة تشامبرلين من ميونيخ الى لندن مطمئنا الى نيات هتلر قال ونستون تشرشل عبارته المشهورة: "كان لديك الخيار بين الشرف والذلّ. اخترت الذلّ وستحصل على الحرب".

بعد نحو ربع قرن على معاهدة ميونيخ، اختزلت إدارة باراك أوباما كلّ أزمات الشرق الاوسط بالملفّ النووي الايراني واعتبرت ان هذه الازمات وجدت لها حلّا في اليوم الذي وقعت فيه مجموعة البلدان الخمسة زائدا واحدا الاتفاق في شأن هذا الملف صيف العام 2015. لم يؤد ذلك الى أي تغيير في السلوك الايراني. زادت الرغبة الايرانية في التوسّع، تماما مثلما زادت شهية هتلر الى احتلال مزيد من الأراضي في اوروبا.

كان محمّد بن سلمان دقيقا في تحذيره من المشروع التوسّعي الايرانية ومقارنته بين المانيا النازية وايران الحالية. المهمّ ان تكون رسالته وصلت الى إدارة ترامب التي يُفترض ان تطرح على نفسها سؤالا في غاية الاهمّية: هل المشكلة في الملفّ النووي الايراني ام في الميليشيات المذهبية الايرانية التي تعمل في العراق وسوريا ولبنان واليمن وتطمح الى ان تكون في كلّ دولة من دول الخليج العربي بدءا بالبحرين؟

لا شيء يحصل بالصدفة. فجأة اكتشف وزير الدفاع الاميركي جيمس ماتيس ان ايران تتدخل في الانتخابات العراقية. اكتشف مستشار الامن القومي هربرت مكماستر في الوقت ذاته ان ايران تسعى الى وجود دائم في الجنوب السوري. اكتشف أيضا انّها دعمت نظام بشّار الأسد بستة عشر مليار دولار منذ اندلاع الثورة الشعبية في سوريا في مثل هذه الايّام من العام 2011. في الواقع، دعمت النظام بأكثر من ذلك بكثير.

كلّ ما يمكن قوله انّ الإدارة الاميركية، التي بدأت تعي حقيقة المشكلة مع ايران ودورها في مجال نشر حال من اللااستقرار في المنطقة وتدمير دولها واثارة الغرائز المذهبية، اعدت نفسها لمرحلة جديدة في الخليج والشرق الاوسط.

من خطاب دونالد ترامب عن ايران في تشرين الاوّل – أكتوبر الماضي، الى زيارة وليّ العهد السعودي حصل تطوّر على دفعات للموقف الاميركي. لم يعد مهمّا كيف يمكن قياس هذا التطوّر بمقدار ما انّ المهم معرفة هل ستكون له من ترجمة على الأرض.

لا شكّ ان اللقاء الذي سينعقد في ايّار- مايو المقبل بين الرئيس الاميركي وزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ – اون مرتبط الى حدّ ما بالعلاقة بين طهران وبيونغيونغ... وهي علاقة في أساسها التسلّح الايراني والتكنولوجيا النووية والصواريخ الباليستية التي وجد من يطلقها من الأراضي اليمنية في اتجاه الأراضي السعودية. هل اللقاء خطوة على طريق تدجين ايران واقناعها بانّ المشكلة في سلوكها وليس في ملفّها النووي الذي هو جزء من هذا السلوك.

 خيرالله خيرالله