"ستكون الانتخابات التشريعية القادمة في العراق مزورة". ذلك الخبر يزف بشرى محبطة للعراقيين الحالمين بالتغيير.

لن تخرج تلك الانتخابات بعيدا عما سبقها. بل قد تؤدي إلى ما هو أسوأ إذا ما انتهت نتائج التزوير إلى استيلاء القراصنة على المركب كله.

الطبقة السياسية التي دخلت الى الانتخابات قبل اثني عشرة سنة مفلسة وفازت فتمكنت من القبض على ثروة العراق الخرافية هي اليوم من أثرى الطبقات السياسية في العالم ناهيك عن أنها صارت تملك جيوشا جرارة من المرتزقة المسلحين الذين وظفوا لحمياتها. ويمكنها في الوقت نفسه أن تستنجد بميليشيات طائفية تستقدمها من كل مكان.

مالكي اليوم ليس مالكي الأمس.

فالرجل الذي تم احضاره مفلسا من حي السيدة زينب بدمشق حيث كان يقيم يقود اليوم امبراطورية من الأموال والرجال والمصالح المتشابكة.

هناك شريحة من العراقيين تدعو له صبح مساء وتسبح باسمه وتثني على فضائله التي لا تُحصى. فهو صاحب نعمتها وهو الذي نقلها من مرحلة ممارسة الخدع الصغيرة في بلدان اللجوء إلى مرحلة عقد الصفقات المليونية مع شركات لا تملك سمعة تمنعها من الغوص عميقا في مستنقع الفساد والرذيلة.

رجل الأقبية السرية استطاع خلال فترة قياسية أن يصنع أكبر ماكنة فساد في التاريخ البشري حسب محللين اقتصاديين أميركيين.

وإذا ما كانت تكلفة فساده باهظة دفعها الشعب العراقي أرواحا وأموالا ومدنا وممتلكات فإن ثمن إزاحته لن يكون قليلا بعد أن أحاط نفسه بميليشيات الطائفة التي لن تتورع عن احراق العراق بمن وما فيه من أجل حماية المذهب الذي صار المالكي رمزه.

ما ورد عن المالكي يصح قوله عن رموز السلطة الآخرين وإن بحجم أقل.

لقد صنعت الولايات المتحدة وهي الجهة المسؤولة كليا أمام القانون عما انتهى إليه الوضع في العراق كونها الدولة التي احتلته، آلية "ديمقراطية" تسمح للطاقم السياسي الذي جلبته معها يوم غزت العراق بالاستمرار في السلطة إلى زمن غير منظور.

ولو لم تجد الولايات المتحدة في تمدد إيران عراقيا منفعة لما سمحت به ولمنعت إيران من الهيمنة السياسية من خلال منع الأحزاب الموالية لها من الدخول إلى الانتخابات كونها أحزابا دينية، طائفية.

لم تفعل الولايات المتحدة ذلك لأنها وجدت في إيران القوة التي تعينها على العراقيين.

إيران اليوم هي القوة التي تحمي العملية الديمقراطية في العراق كما خططت لها الولايات المتحدة. لذلك فإن ما يحلم به العراقيون من تغيير من خلال الانتخابات القادمة لن يجد له مكانا على الأرض.

سواء ذهبوا إلى مراكز الاقتراع أم لم يذهبوا فإن النتائج معروفة سلفا.

أن يقولوا "لا" احتجاجا فمراكز الاقتراع لن تكون المكان المناسب لصرخة من ذلك النوع. عن طريق انتخابات مزورة لن يصلوا إلى هدفهم.

لقد بدأت العمليات القذرة لشراء الأصوات بأبخس الأثمان وهو ما يكشف عن ثقة السياسيين بأن كلفة الدخول إلى المزاد لن تكون باهظة. ذلك لأنهم يعتقدون أن العراقي قد يشتري حياته بثمن بخس بعد أن باع وطنه مقابل لاشيء. هذا ما يقوله لسان حالهم.

معادلة مؤلمة غير أنها تكشف عن التفكير السياسي السائد في العراق وعن طريقة نظر أصحاب السلطة إلى العراقيين.

لقد مكن الاميركان بحماية إيرانية الأحزاب الموالية لإيران في كراهيتها للعراقيين من السلطة فكان من البديهي أن تنظر تلك الأحزاب إلى الشعب العراقي باعتباره نوعا من الرعاع الذين يكفي لشراء أصواتهم بعض كيلوغرامات من الرز والعدس والفاصوليا ولترات من الماء المعدني.

ما يحتاجه العراقيون هو وعي مختلف يخرجهم من المتاهة التي صنعتها سلطة الاحتلال واستفادت منها إيران.

ذلك الوعي الذي يحتاجه العراقيون يقع خارج ما فرضه الاميركان من آليات للعمل السياسي الديمقراطي من خلال العودة إلى مصدر السلطات في الحياة الديمقراطية وهو الشعب.

وبما أن صناديق الاقتراع ستكون بالتأكيد مزورة فإن صوت الشعب يمكن أن يصل عن طريق الاحتجاج العلني. في إمكان الشعب العراقي أن ينهي عملية استغفاله من خلال عصيان مدني هو صورة من صور الاحتجاج التي ستؤدي إلى انفتاحه على قدراته غير المتوقعة في التغيير.

لن يغفر الشعب العراقي لنفسه هذه المرة أنه كان عارفا بتزوير أرادته وظل عازفا عن الفعل الإيجابي الذي يضعه بين الشعوب التي تحترم نفسها.

لقد عُرف الشعب العراقي عبر تاريخه السياسي الوطني بنزاهته ونزاهة دولته ومؤسسات تلك الدولة لذلك فإن أي تغيير حقيقي لا يمكن أن يقع إلا إذا تمت إزاحة الطبقة السياسية الحاكمة بأكملها التي لم تكتف بتدمير العراق بل شوهت سمعة العراقيين حين أظهرتهم شعبا خانعا للفساد ومتواطئا مع رذائله ومستفيدا منها.

 

فاروق يوسف