تعالت الأصوات منذ اليوم الأول لأزمة مدينة جرادة و بحت الحناجر المطالبة بتغيير حقيقي يُطفئ الغضب المتراكم في تضاريس المغرب العميق . جرادة و كمثيلاتها من مدن الهامش لم تنل حظها من التنمية يناسب ما كانت تخرجه من باطن أرضها .. شاخت المدينة و لم يعد في سواد خيراتها ذلك البريق الآسن الذي استفادت منه الدولة و شركاتها في التعدين ، لم يبقى من فحمها إلا ما يشعل نار السخط على فشل بنيوي في التسيير أفقد الساكنة صبرها على التهميش .

نفس الأخطاء القاتلة تتكرر فالمسؤولون العاجزون يتعاملون مع المشكل بمنطق الصدمة و رد الفعل ، في الوقت الذي كان من المفروض أن تكون أحداث الحسيمة درسا و عبرة لمن لا يعتبر .

لقد قلنا على هذا المنبر أن المواطن فقد الثقة في الخطاب الرسمي و مل من الوعود المؤجلة و المشاريع الوهمية و ديماغوجية النخبة السياسية التي تفكر بأنانية مفرطة و لا ترى إلا مصالحها الآنية .

أعباد الله إننا نعيش في القرن الواحد و العشرين و لا يمكن خداعنا بسهولة فإن كان أجدادنا يثقون في كل ما يقال لهم من المقدم و الشيخ و عبر الإعلام الرسمي فالوضع مختلف اليوم ، لأن مواطن اليوم لا يثق إلا في الملموس و هذا هو حال شباب جرادة ، و إذا كان السياسيون و المسؤولون يعولون على عامل الوقت و التسويف كي تُنسى المطالَب أو على الداخلية في كسر شوكة المحتجين فهذا خطأ فادح لأن كل ما يفعلونه هو تأجيل مشكل كبير إلى آخر أكبر منه . و ما تأجيل العمل بديمقراطية حقيقية إلا كمن يعالج المرض العضال بالمسكنات .

 

لقد قلنها و نعيدها مرة أخرى إن الإصلاح السياسي على علاته لابد أن يواكبه إصلاح و إقلاع إقتصادي و القطع بحزم مع رؤوس الفساد الذين يغامرون بأمن و استقرار الوطن ، كما أن خيرات البلاد يجب أن تبقى فيها و المال العام يجب أن يصبح كبيرة من الكبائر . إن المنشود من الإصلاح ينبغي أن يكون شاملا و عميقا فما يحدث اليوم في مدن" الهامش " قد تنتقل عدواه إلى المدن الكبرى حيث التناقضات أكبر و أعمق .

 

إن طينة المنتخبين الأميين لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تدفع بالديمقراطية إلى الأمام و إن كانت الدولة تستفيد من غبائهم فإنهم يشكلون مصدر خطر لأنهم لا يقومون بالواجب الذي من أجله تم انتخابهم . إننا بحاجة لسياسيين مشاكسين نقديين يدفعون بالأمور نحو الأمام في سبيل تغيير حقيقي يجعلنا في مصاف الدول الديمقراطية .

 

إن المخزن اليوم بحاجة لمن يوقظه و يريه الحقيقة و الواقع كما هو بعيدا عن التقارير المضللة و الأرقام المنتفخة و عِوَض إضاعة الوقت و الجهد و المال في مشاريع ترقيعية لابد أن نتحلى بالشجاعة و نخطو على درب الديمقراطية الحقة أما الإنفتاح الزائف مع الإحتفاظ بجوهر الأشياء كما هي فلا ميزة فيه سوى هدر الوقت و السماح للعنف بأحد مكان كل إمكانية للحوار  و هو ما آلت إليه الأمور في جرادة و من قبلها في الحسيمة .

 

فإلى متى ستبقى حكومتنا رجل الإطفاء الذي يلاحق النار أينما اشتعلت .



محمد شاكري