اسمحوا لي بأن اختار هذا الصباح التواصل معكم بحرقة نابعة من القلب ومن حب الوطن من دون مقايضة..

فمنذ أن ركبنا مركب حركة قادمون وقادرون، ونحن نتطلع كل يوم إلى فهم ما يجري في بلدنا، وفهم طبيعة السلطة التي تحكمه. والسلطة هنا كمفهوم ثقافي وعملي، محاولين الربط بينها وبين السلطة الاقتصادية والسياسية والإدارية.. طامعين أن تلتحقوا بنا من أجل التفكير الجماعي في رؤى متقاطعة أكثر فعالية ومردودية وإنتاجية، لتعميق التحليل المعرفي والمنهجي لمفهوم السلطة.. وخاصة علاقة السلطة المركزية بسلطة أو بسلطات الهامش

الغرض الذي نريده هو السجال والجدال والتناظر والحوار.. لفهم قواعد اللعب في حقل السلطة بكل تجلياتها وتمظهراتها داخل المجتمع، كبنية رمزية قوية ومخيفة أحيانا، لها وظائف أكبر وأخطر من الوظائف المادية.

إن حركة قادمون وقادرون حين انطلقت شرارتها ببلاد جبالة بني زروال كانت على وعي تام بالتراجع الذي حصل في بيت الاشتراكية والديمقراطية، وكانت تدرك أن ثنائية اليمين واليسار لم يكتب لها النجاح ببلادنا نظرا لخصوصيات تاريخية لم تساعد على ولادتها قطبية القومي والمحافظ.. وظلت نخبها تقليدية ولو درست في السوربون.

لقد كان وعينا بهذا التحول النوعي في مجتمعنا مدخلا لطرح أسئلتنا المتعلقة بالسلطة المركزية ونخبها، وعلاقتها بمجتمع الهامش ونخبه، لإدراك العوامل السوسيو اقتصادية والسياسية والثقافية والتاريخية، التي كان لها ما كان لتظل بلاد جبالة بني زروال على حالها كباقي أخواتها في المغرب.

لقد كنت محظوظا في حياتي، لما ساعدتني الظروف بفضل العديد من الرفاق والأصدقاء (المؤمنون بالرفيق قبل الطريق)، لاستكمال دراستي والسفر إلى منفاي الاختياري، والاطلاع على العديد من التجارب والمقاربات، والاحتكاك بشخصيات وقدرات وكفاءات مختلطة، متنوعة ومختلفة، والتي كان لها الدور الأساسي في إعادة تربيتي وتكويني وتحسين وضعيتي المعيشية والثقافية والمهنية، لتتسع رؤيتي "الجبلية-الزروالية" إلى جميع إخواني وأخواتي في ميادين مجتمع الهامش.

هكذا إذا كبر حلمنا ليعانق الدولة الاجتماعية، دولة التقدم الاقتصادي الناتجة عن الحق في الثروة الوطنية والعدالة المجالية والضريبية، والحق في البنيات الأساسية (التعليم، الصحة، الشغل والسكن).

طبعا، تواجهنا صعوبات جمة مرتبطة بالنظرة الدونية لديناميات الهامش، وبالصراعات والإستراتيجيات الناتجة عن عبء القواعد الاجتماعية البئيسة والمنغرسة في الكثير منا حتى العظم.

لقد بعثنا بعدة رسائل إلى نخب المركز، ننبههم إلى الحالة الاجتماعية التي صارت عليها تلك الدواوير والقرى التي خرجوا من رحمها، وخاصة معاناة أهالينا مع الماء والنقل العمومي والتغطية الصحية والتمدرس والسكن اللائق والشغل الكريم. وما زلنا ننتظر الجواب والتفاعل معنا.

لقد راكمت حركة قادمون وقادرون تجربة جد محترمة في ظرف لم يتجاوز سنة ونصف السنة، أي منذ الولادة الرسمية في دجنبر الماضي بإفران، واستطعنا الاستثمار في قدراتنا الذاتية جنبا إلى جنب الغضب الشعبي، في استقلالية عن نخب المركز وأمراضهم المرتبطة بمراكمة الثروة والامتيازات.

حركة قادمون وقادرون تناشد اليوم كل من له غيرة على مغرب المستقبل، وكل من يريد كتابة صفحة جديدة من صفحات المغرب المجيد، من أجل التقدم في جميع تجلياته وتشكيلاته. ومن خلال مقاربتها الميدانية والمغربية، وطاقاتها العلمية والأكاديمية، ومكوناتها المواطنة، والمتميزة ببعدها التقدمي، تريد الاستعانة بكم، وباجتهاداتكم المشرقة، التربوية والمعرفية والأكاديمية منها.. كما تعتز بتجاربكم العابرة للأحزاب والنقابات وجمعيات المجتمع المدني.

نريد علاقة جديدة مع الشعب، وفضاءات رحبة، واسعة من الحرية لديناميات الهامش، والتشجيع على الخلق والإبداع والاجتهاد في إطار احترام المؤسسات والقانون والناس.

نريد وسائط جديدة في التواصل من أجل التأثير السياسي وحشد الدعم وراء رؤى حركة قادمون وقادرون، من أجل بناء هوية جديدة، ممانعة ومشاكسة، مواطنة، تعتمد على طرائق جديدة، منتجة، تفاعلية، تشاركية مع المواطنات والمواطنين، في أفق الاندماج الجماعي في عملية التغيير.. وتبني روح المشروع الوطني الديمقراطي، والخروج بهدوء من العلاقة الملتبسة بين الحقل الاجتماعي والحقل السياسي المؤسساتي التقليدي منه وحتى الذي يدعي الحداثة..

لا نطالب بمناهضة أي كان، ولا نخفي اشتغالنا داخل الفضاءات السياسية والنقابية والمدنية والتمثيلية، مستحضرين حدود هذه المؤسسات..

نحن خليط من التوجهات الكبرى المؤمنة بحب الوطن وبالديمقراطية وحقوق الإنسان.. وإيديولوجيتنا هي حب الشعب.. أمام هذه الخريطة الحزبية المشوهة التي ابتلى بها بلدنا الحبيب.


 

المريزق المصطفى