من مخزيات هذا الزمن أن اللازمة التاريخية للعصور القديمة حول استعباد البشر والاتجار فيهم لا تزال قائمة، وأن أسواق النّخاسة وأساطيل العبيد وقوافل الرقيق لا تزال معقودة ومنصوبة. إلى حد اليوم، لم تُدرك البشريةُ الإنسانيةَ المزعومة والمتبجح بها بالأشداق.

من يرى جحافل البشر المهجّرين والكتل البشرية المكدسة في الأقبية والملاجئ والضعاف من الأطفال والعجزة تُصب فوق رؤوسهم النار ويُنتشلون من تحت الرماد مغبرين أحياء أموات، نتيجة لحساب السياسة ورهان الخرائط، يزداد يقينا أن الإنسانية المنشودة كذبة كبرى ووهم للتسويق.

الإنسان ذئب لأخيه الإنسان (مع الاعتذار لهذا الكائن المهدد بالانقراض)، لا يسعنا إلا أن نصدّق ذلك (يثير منصب الأمين العام للأمم المتحدة شفقة حد البُؤس)، ولن يمنعه من "أخيه" أشد الترسانات النووية فتكا، بله القوانين والقرارات.

عندما يغدو الكائن البشري مجرد رقم، لا أقل ولا أكثر، مجرد صوت انتخابي، أفواه شاغرة وعقول مستلبة، وطابور طويل من الكائنات المصطفّة والمصفوفة والمرصوصة، مجرد آلات ميكانيكية، مصنوعة من اللحم الآدمي، يُخطط لها بدقة متناهية، يُراد لها محيط عيش لا تتعداه، وسقف تفكير لا تتجاوزه، ومتوسط عمر بالكاد تبلغه.

في كل بقاع الأرض تقريبا، يُعبث بالخادمات و"الغلمان" والصبايا، تترصدهم شبكات مرعبة لتداول اللحم الطري، لصبية لم يبلغوا سن الحلم بعد، يُعبث بهم، وتُستقطر المتعة من أجسامهم الذابلة. أمم بكاملها من الكادحين يُقتطع من عرق جُهدها، ويُسرق فائض قيمة كدحها، فصوصا تُرصع بها خواتم المُتخمين.

استهوت التجارة البشر منذ غابر الزمن، فتاجروا في بعضهم بعضا، وفي كل شيء تقريبا، تاجر الناس بالدين والحق والفضيلة وبالأعضاء البشرية، اشتروا الإيمان وباعوا صكوك الغفران، وعلّبوا المرأة واستحكموا مصائر الناس، وقامروا بالأوطان وأدخلوا كل شيء إلى البورصة، وأخضعوه للعبة العرض والطلب والمزايدة. (سوق البشرية).

العالم بورصة كبرى، فيها تصعد أسهم وتنزل أخرى، تتضخم أرقام وتختفي أخرى، في هذه البورصة يُباع البشر ويُتاجر بأرواحهم ومستقبلهم، وتُصنع الأدواء لهم ويُحتفظ بالترياق إلى حين.

وسيظل الناس يُطاردون إنسانيتهم الضائعة والمُضيّعة، رهط مسجى على اليخوت، وللآخرين المناجم والمواخير والطوابير الطويلة أمام المتاجر الكبرى والشركات العابرة لإنسانية البشر.