مع الإعلان عن قمة مرتقبة بين الرئيسين الأمريكي والكوري الشمالي، تكون بيونغ يانغ قد حققت خرقا دبلوماسيا لافتا، في طوق الحصار الدولي المفروض عليها منذ سنوات، بعد أسابيع قليله فقط من التهديدات المتبادلة بين البلدين النووين بحرب لا تبقي ولا تذر،  فما الذي تغير وطرأ؟ 
على ما يبدو، فإن التهديدات النووية، التي كثيرا ما تطلقها بيونغ يانغ وتقابل عادة باستهزاء الدول الغربية، هي التي منحتها ورقة قوة وضغط، أجبرت الإدارة الأمريكية على «الجنوح للسلم»، بالإضافة طبعا، وهو الأهم، لتحالفات كوريا الشمالية المتينة مع القطب الدولي المنافس للولايات المتحدة، الصين وهي الدولة التي لا يبدو أن واشنطن عادت قادرة على التصرف بإقليمها بعيدا عن التنسيق معها، كما موسكو . 
كمراقبين من العالم العربي، قد يكون ملائما لنا أن ننظر للموضوع من باب المقارنة بين مصير دول «محور الشر» حسب التصنيف الأمريكي، وأين انتهى بهم الحال في نزاعهم مع الولايات المتحدة، ولماذا؟ العراق وإيران وكوريا الشمالية، أعضاء هذا المحور الذي وصفته الولايات المتحدة كثيرا بـ»الدول المارقة»، والداعمة للإرهاب، اثنتان منهما امتلكتا سلاحا نوويا أو هددتا بامتلاكه، وساومتا الغرب بورقته، أبرز هذه الدول في التأثير بمنطقتنا، إيران، ها هي تنجح بعد سنين من العقوبات الدولية، بتطبيع علاقاتها مع الغرب والولايات المتحدة، وتصبح بيضة القبان الأثقل في الاقليم الشرق أوسطي، هل فقط لأنها استفادت من برنامجها النووي المفترض؟ ليس ذلك وحسب، فإيران امتلكت سلاحا فتاكا قد يغنيها عن القنبلة النووية، وهو ما سميناه سابقا بـ»القنبلة الشيعية»، إذ امتلكت تأثيرا ونفوذا حاسمين في الطائفة الشيعية في بلد محوري كالعراق، بات ملعبا خارجيا أساسيا للسياسة الامريكية، فحولت طهران، المشروع الامريكي في العراق لرهينة بيد ميليشاتها وحلفائها من مراجع الدين الشيعة، الذين امتلكوا التأثير الأول على الجمهور الشيعي، ونفوذا على أحد الحزبين الكرديين الكبيرين، الطالباني، لدرجة أن بريمر يتحدث في مذكراته دائما عن تبرير كل أفعاله في العراق كحل الجيش العراقي، تحت تأثير الضغط من القوتين المؤثرتين، الشيعة والكرد. بالمقابل، لم تنجح السعودية رغم ما تمتلكه من وزن معنوي كبير في العالم الإسلامي السني، ومال وفير يتجاوز ما تملكه ايران الفقيرة، من استثمار ودعم الكتلة العربية السنية بالقدر الذي يمكنها من المواجهة مع ايران، فالرياض كانت وما زالت، بلا أي رؤية ولا مشروع إقليمي، سوى ما تراه بعيون واشنطن، وقد جاء اليوم الذي وجدت فيه أمريكا أن جلوسها مع أعدائها الإيرانيين بات أمرا ملحا، لتأمين خروج آمن لجيشها وإدارتها للاحتلال في العراق، بينما تبين أن حلفاءها في المنطقة العربية ما هم إلا وكلاء درجة ثانية، لا يحظون بأي مصداقية أو ثقل جماهيري وعاجزون عن إدارة اي نزاع مع ايران، لأنهم ببساطة لم يخوضوا غمار النزاعات الإقليمية يوما إلا كوكلاء للأمريكيين في سياساتهم، فلم يمتلكوا الخبرة والكفاءة الذاتية، ولم يعدوا أنفسهم ليوم كهذا، يعتمدون على أنفسهم بادارة ملف في العراق كهذا ومن بعده سوريا بمواجهة ايران. 
هكذا اذن، تحولت ايران، دولة محور الشر الارهابية، المعادية للولايات المتحدة، الى الرابح الاكبر في الاقليم، ومركز التسويات مع الغرب بفضل أقدامها الثقيلة، بينما خرجت أكثر الدول الحليفة للولايات المتحدة، خالية الوفاض من كل ساحات المنطقة، رغم أنها لم تصنف كدول إرهابية، أو تشكل خطرا على السلام الدولي، أو تملك تهديدا بسلاح دمار شامل، وهذا ربما سبب هزيمتها، أنها بلا اي سلاح، سوى دفع الرشاوى وشراء أطنان الحديد من الاسلحة الامريكية! 
وحده نظام صدام حسين، لم ينفذ من هذا الطوق الامريكي، كسروا اضلاعه، ربما لأنه لم يجد حليفا عربيا، أو حتى قوى شعبية عربية فاعلة تشد أزره ودرعا تحمي صدره العاري بعد الحصار الدولي الخانق، كما وجدت إيران في جيوشها الشيعية من جنوب لبنان لجنوب العراق، وكوريا في رفاقها الصينيين! وعلى خطى ايران، تسير كوريا الشمالية، مستفيدة من ورقتها النووية، ومن تحالفاتها الإقليمية مع دولة عظمى كالصين، ولا ننسى انهم على علاقة طيبة ايضا بدولة «الشر» الشقيقة، ايران! ومعهم القطب الدولي الصاعد مجددا روسيا. واكثر ما يذكرنا المشهد الدولي اليوم، بالكاريكاتير الذي نشر في صحيفة أمريكية، يوم اتمام صفقة النووي مع إيران، إذ ظهر اوباما يحضن الرئيس الايراني روحاني، واصفا اياه « ليس شريرا جدا» بينما يقول روحاني عن اوباما «ليس شيطانا إلى هذا الحد»! العالم لم يعد تحت هيمنة قطب واحد اذن، ولم يعد ممكنا لواشنطن الاستفراد بخصومها كبيونغ يانغ مع وجود أقطاب صاعدة، كموسكو وبكين، معارضة للسياسات الامريكية في الاقاليم التي تشكل أولوية لأمنها القومي. اما من يواصلون دورانهم في الفلك الامريكي، البعيد عن مركز اقليمهم، فهم وحدهم يدورون في حلقة مفرغة من التبجيل لكعبة واشنطن التي لم «تأمنهم من خوف»، رغم إدمان التعلق بأستار البيت الابيض! 


وائل عصام