في سياق مساعي النظام السياسي المغربي لاستقطاب الأحزاب الوطنية تمهيدا لتحقيق التناوب في الحكم سنة 1976، كلف الملك مدير ديوانه السيد أحمد عصمان بالاتصال بأعضاء الكتلة الوطنية.

وأبرز السيد أحمد عصمان أنه "طبقا للتوجيهات، عقدت اتصالات مع الزعماء القياديين للكتلة وكانت المباحثات تجري في القصرة تارة، وفي منزلي تارة أخرى، وتوالت اجتماعاتنا لعدة أشهر، عكفنا فيها على تدارس ذلك المشروع بكل جزئياته".

وحينما تقلد أحمد عصمان مهام الوزارة الأولى، بادر إلى الاتصال بالأحزاب السياسية ودعاها إلى المشاركة في الحكومة، غير أن الظروف السياسية التي كانت سائدة حالت دون تحقيق هذه المشاركة.

لكن ما هي تلك الظروف السياسية التي كانت سائدة آنذاك وسكت عنها السيد أحمد عصمان؟

يجيبنا الأستاذ محمد عابد الجابري في مقالاته بالمحرر "كيف أجهض مشروع التناوب سنتي 1976 و1977"؛ فالاتحاد ما كان ليدخل في تجربة الانتخابات الجماعية في نوفمبر 1976 والانتخابات النيابية في يونيو 1977 لولا الموافقة المبدئية التي تمت في يونيو 1974، إثر لقاء عبد الرحيم بوعبيد والحسن الثاني؛ حيث علق الاتحاد مشاركته بضرورة مراجعة اللوائح الانتخابية، وإصدار عفو شامل على المعتقلين السياسيين، وضمان الحريات الفردية والجماعية وحياد الجهاز الإداري، ليس هذا وحسب بل طالب الاتحاد بضرورة إشراك الطلبة والعمال بالخارج في هذه الانتخابات.

وأمام استجابة "النظام" لكل هذه المطالب المشروعة، تساءل عبد الرحيم بوعبيد: "إن المسألة الأساسية المطروحة الآن هي هل سندخل فعلا في تجربة ديمقراطية حقة لبناء مستقبل المغرب الديمقراطي؟ أم إننا أمام تجربة من نوع التجارب السابقة؟"

وبعد مشاورات داخل الهيئات الحزبية للاتحاد، اتخذ قرارا شجاعا بالمشاركة في هذه التجربة لأنه ليس له ما سيخسره؛ حيث قال عبد الرحيم بوعبيد بعد إعلان ذلك الموقف: "أما نحن فليست لدينا مصالح ولا احتكارات نخسرها، وعلى خصوم الديمقراطية أن يعلموا أنهم سيكونون وحدهم الخاسرين إذا زيفت الديمقراطية مرة أخرى في هذه البلاد".

واستجابة لمطلب نزاهة الانتخابات، قرر الملك تشكيل مجلس وطني للسهر على سلامة الانتخابات يتكون من ممثلي الأحزاب السياسية وبعض الوزراء عينهم الملك، كما تشكلت لجان إقليمية فرعية.

وحتى يوم 23 أكتوبر 1976 كان الكل يظن أن المغرب على عتبة مغرب جديد، لكن أنصار المغرب القديم توجسوا من حصول تحول يضر بمصالحهم؛ وكل المؤشرات تؤكد من "مكاتب التصويت فوز الاتحاد الاشتراكي بالأغلبية في أهم المدن والمراكز الحضرية والقروية: في الرباط وفاس وطنجة وأكادير وإنزكان وبني ملال والعرائش والقنيطرة وسلا وناحية أكادير وتارودانت وسيدي قاسم وصفرو...".

لكن دار لقمان تأبى إلا أن تبقى على حالها. لقد تدخلت أيدي التزوير لتغيير نتائج مكاتب التصويت ولتعلن وزارة الداخلية عن نتائج أخرى. وعلى إثر هذه النكسة، قرر الاتحاد "الاحتكام لدى الملك" والمطالبة بإجراء بحث وتحقيق في أقرب الآجال.

وحاول الملك جبر خاطر الاتحاديين عبر تعيين عبد الرحيم بوعبيد وزيرا للدولة بدون حقيبة إلى جانب بوستة وأحرضان والخطيب كوزراء جدد. ولكن حصول حدثين بارزين أسهما بشكل خطير في انكشاف المسرحية، وبأن القضية ليست تناوبا حقيقيا بقدر ما كانت محاولة للتدجين.

ويذكر الجابري في مواقفه "قضية 120 مليون لمساعدة الاتحاد في الحملة الانتخابية!"، ومسألة "اقتراح بالاتفاق على النتائج مسبقا"، و"طلب تخلي عبد الرحيم عن الترشيح في أكادير".

وأمام إصرار الاتحاد على اعتبار "قضية الترشيح شأنا حزبيا داخليا تحركت آلة القمع في جميع أنحاء أكادير وجرت الانتخابات في جو من الرعب والترهيب"؛ وهكذا تم إجهاض التناوب؛ حيث رفض الاتحاد المشاركة على غير أساس سنة 1976.

ولكن على أي أساس قبل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بعد عشرين سنة مضت الدخول في التناوب التوافقي سنة 1996؟

هذا ما أجاب عنه السيد عبد الرحمان اليوسفي، أيقونة الاتحاد الاشتراكي، في سيرته الذاتية والسياسية الصادرة سنة 2018 تحت عنوان: "أحاديث في ما جرى".

عبد الرحمان شحشي

*أستاذ علم السياسة والقانون الدستوري بكلية الحقوق – جامعة الحسن الأول بسطات