معنى الرزق عند المسلمين يحتاج إلى توضيح كبير، وتحرير كثير، إذا كانوا حقا يريدون أن يكونوا مسلمين، ويكونوا صرحاء، وإلا فإن الكثير من المتكلمين في الدين، وفي مواضيع خاصة، ومنها الرزق، يغفلون، قصدا أو بغير قصد، جوانب أساسية لا بد من استحضارها ونحن نتحدث في موضوع صعب وعلائقي، كالرزق، وأخص بالذكر العناصر التالية:

1_ الرزاق، اسم من أسماء الله الحسنى، وصفاته العلا، فهو سبحانه الرزاق، هذا معتقد صريح، نؤكده ثم نمضي، فكل المسلمين، عموما، يؤمنون، بداهة، بأن الله هو الرزاق، على اختلاف في درجة الإيمان، طبعا، ولكن المشكل، أو الإشكال، ليس هاهنا، بل في مكان آخر.

2_ يطرح الإشكال ويتجلى الالتباس حين يواجه هذا المسلم، بما هو مواطن عاد، واقع الحياة، حين يبحث عن رزقه هذا فلا يجده، حين يبحث عن حقه في العمل، في السكن، في العلاج، في الحياة الكريمة، فلا يجده. وفي المقابل، هناك آخرون يجدون كل هذا وزيادة، لأسباب معلومة وغير معلومة. فأين ذهب رزقه؟ إنه موجود بلا شك، هذه عقيدته، فما من دابة إلا على الله رزقها، ولكن أين هو في هذه الحالة؟

هذا بالضبط هو المسكوت عنه في خطاب المتكلمين في هذا الموضوع، والسكوت هاهنا منقصة كبيرة، إن لم يكن تحريفا للكلم عن مواضعه ومعانيه الكاملة، وهروبا من السؤال الكبير: أين رزقي؟

فليست مشكلتنا مع الرزاق، بل مع من يتحمل مسؤولية الاستحواذ على هذه الأرزاق، ومسؤولية توزيعها وتدبيرها، فالأرزاق في جزء كبير منها لا تنزل من السماء في شكل هبات خاصة لكل فرد فرد، وإنما هي خيرات ومقدرات وخدمات وامتيازات يتم توزيعها، وهناك جهات وهيئات تتحمل مسؤولية ذلك. ومن تم، فالحديث عن الرزق يقتضي بالضرورة الحديث عن العدل والظلم.

نعم، الله هو الرزاق، ولكن نعم أيضا هناك من يأتي ليلتهم ويغتصب هذه الأرزاق، ثم يقول للناس، (الله هو الرزاق)، فتتحول العبارة، الله هو الرزاق، إلى كلمة حق أريد بها باطل، على رأي الإمام علي كرم الله وجهه، هذا بالضبط، هو التوصيف الحي لما نعيشه في مجالات كثيرة وعلى مستويات عدة.

ليست مشكلة الناس، في العمق، مع من يرزق، بل مع من يتسلط على هذه الأرزاق ويغتصبها من أصحابها، فنحن نعيش في مجتمعات حديثة، شكليا على الأقل، وأرزاقنا وحظوظنا نتوصل بها عبر وسائط، هيئات، وزارات، مؤسسات مدنية منتخبة، أو معينة، هي من تحدد لنا، رضينا بذلك أم أبينا، حظنا مما تصلح به وتستقيم وتستمر حياتنا.

3_ نعم الأرزاق أنواع وألوان، والناس يحتاجونها جميعا، ولكن إذا كانت الهداية والإيمان والاستقامة أرزاقا، فإن الأكل والشرب والعلاج والشغل والسكن أيضا أرزاق، وغياب هذه يؤثر على تلك، ويكفي أن الله تعالى قدمها، ومنّ بها علينا، فالعبادة بعد الأكل والأمن (فليعبدوا رب هذا البيت، الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف)، ومشكلة المواطنين مع هذه الأرزاق الثانية مشكلة كبيرة.

كل حديث عن الرزق في غياب الحديث عن العدل والظلم هو حديث منقوص ومبتور من سياقه ومتعلقاته، فالذي أنزل الرزق هو الذي أمر بالعدل ضمانا لوصول هذا الرزق إلى أصحابه وذويه.


 

ابراهيم أقنسوس