هذا هو عنوان الكتاب الذي صدر سنة 2016 للإعلامي المغربي الأخ رشيد brother rashid حسب القنوات الإعلامية، والذي يحاول من خلاله أن ينبش في الزواج الكاثوليكي بين داعش والإسلام، مستقرئا التاريخ الديني للإسلام، وآخذا نصوصه التأسيسة الأولى، سواء القرآنية أو الحديثية (الحديث) من أجل سبر أغوار الفكر الإرهابي الداعشي من خلال النصوص المنتقاة بدراية عالية من القرآن والحديث. ولا نبالغ إذا قلنا إن الكاتب وضع أصبعه على الجرح التدعيشي الإسلامي، إذ تفوق في إثبات التداخل الديني الإسلامي في صناعة الإيديولوجية الإرهابية لهاته الدولة الإسلامية بالعراق وسوريا.

ففي بداية الكتاب قدم الكاتب مدخلاً ذكياً معتبراً فيه أن هناك فرقا بين المسلم والإيديولوجيا الإسلامية، متسائلاً هل يمكننا اعتبار المسلم البسيط إرهابيا أو تلك الأم البسيطة (قاصدا أمه) التي تتألم لأجل الآخرين عند مصادفتها لموقف ما إرهابية؟.

يحتوي هذا الكتاب على سبعة عشر فصلاً مبوبة بـ142 عنواناً، كلها قارنت أعمال الدولة الإسلامية (داعش) بما قام به المسلمون الأولون من أجل إقامة كيانهم السياسي والدولتي بالجزيرة العربية زمن نبي الإسلام وبتحريض منه، وزمن الخلفاء الراشدين. فمن بين ما يثير القارئ المتخصص أو غير المتخصص هو الفصل الثامن الذي تكلم فيه الكاتب عن بداية الإسلام والتشابه حتى التطابق مع بداية داعش؛ فبداية الإسلام هي نموذج للجماعات الإسلامية كما نرى في الصفحة (195 - 198).

وقد عالج المؤلف أيضاً سبب التحاق الشباب المسلم بداعش في الصفحات (198 - 202) معتبراً الترهيب والترغيب من أسباب هذا الالتحاق الكاسح بهذا التنظيم الإرهابي. ثم نرى كيف وظف هذا التنظيم وجوب الهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام في الصفحات (202 - 209)، معتمداً على آيات قرآنية وأحاديث منسوبة لنبي الإسلام، يحث فيها على إلزامية الهجرة. وقد استعمل تنظيم داعش مجلة "دابق" للدعاية لهذا الأمر والترويج له. وفي الفصل نفسه (الفصل الثامن) تكلم المؤلف عن أهمية المهاجرين في التنظيمات الإسلامية ودورهم، ثم دور الأنصار داخل داعش كما كانوا زمن نبي الإسلام (أنظر الصفحات 209 - 221).

وهنا نلمح للكاتب الصحافي توفيق بوعشرين في هذا الصدد بالعدد 1737 من جريدة أخبار اليوم، ليومي السبت والأحد 25 / 26 يوليوز (2015) عندما طرح سؤالا عبارة عن عنوان لمقالته اليومية "من صنع داعش؟"، مسترسلا في سؤاله: في أي بطن كبر هذا الوحش؟، وعلق بأنه "لا أحد لديه الجواب القطعي عن هذا السؤال..". هذا الكتاب في نظري يجيب عن هذا السؤال بكل بساطة، فليست فيه فرضيات، بل أسباب عديدة تفسر هذه الظاهرة التدعيشية بالعراق وسوريا، والتي هي في الحقيقة دولة قائمة بذاتها حسب مبادئ ومواصفات القانون الدولي ومعاهدة "مونتيفيذيو" لسنة 1933 حول حقوق وواجبات الدول، فهاته الدولة تفرض حكمها الشرعي على مساحة من الأرض تعادل نصف كل من سوريا والعراق، وحوالي عشرة ملايين من الرعايا (المواطنين) يحصلون على خدمات أمنية وطبية وتعليمية وقضائية وماء وكهرباء، ربما أفضل من الدولتين الجارتين، وميزانية سنوية تصل إلى بليوني دولار، ولها محطة إذاعية وتلفزيون، وحكومة تضم 22 وزيرا وعملة مستقلة وعلم وجيش وقوات أمن. ولن نفاجأ بتأسيس شركة طيران خاصة بها قريباً حسب ما يقوله الكاتب الصحفي الفلسطيني عبد الباري عطوان.

فالسؤال الذي ابتدأ به الصحافي توفيق بوعشرين مقالته له جوابه، لكن لا يستطيع أحدهم أن يتجاسر للإجابة عنه، لأنه جواب يرمي بصاحبه إلى أتون المنافي أو العذاب أو الإعدام؛ فالجواب عند العلماء وأصحاب العمائم في كل بقاع العالم الإسلامي، لكنهم لن يجيبوك عن هذا السؤال، وخير دليل على ذلك الأستاذ عدنان، ملهم الشباب المُسلم والحداثي، الذي قال "إن داعش ليست من الإسلام"، لكنه لم يفسر كيف ذلك؟ بل شجب واستنكر ما تعمله باسم الدين بدون أن يكفر أصحاب هذا الفعل! وقال "إنهم شوهوا صورة الإسلام وصورة نبي الإسلام الضحاك الدباح كما يقولون".

ويقول الكاتب المغربي صلاح الدين بوسريف عن داعش في مقال بعنوان "هَيْمنَة الله على الإنسان!"1: "إن مصدر هذا التطرف ليس وَليدَ اليوم، ولا هو طارئ في حياتنا المُعاصرَة، فجذوره تعود إلى القرآن نفسه، وإلى السنة وما صدر عن عمر بن الخطاب من كلام وفعل، وما تلا هؤلاء من الصحابة وعلماء، وفُقهاء، ومفسرين وشارحين للنصوص الدينية".

ما قاله الكاتب صلاح بوسريف نجد ثناياه في كتاب "الإسلام وداعش: من منظور مسلم سابق"، الذي استحت فيه المؤلف آيات قرآنية وأحاديث وتراثا إسلاميا يحث على الإرهاب بالذبح من الوريد إلى الوريد وبالقتل خنقا ورجما وحرقا؛ فهذا الكتاب الذي جاء في 468 صفحة جاء جامعا ومانعا في معطياته وشهاداته عن أن داعش من الإسلام وليست إيديولوجية دينية استعملت الإسلام؛ فمن خلال القاعدة الفقهية الإسلامية التي تقول "واجتمعت الأمة على الإسناد ذلك من الدين بلا ترداد" يكون كتاب الأخ رشيد كما هو معروف في الأوساط الإعلامية قيمة مُضافة إلى المكتبة العربية التي عرفت العديد من الكتابات التحليلية والتاريخية عن داعش والإسلام.

خلاصة: جيد أن نقول إن داعش لا تمثل الإسلام، وأنا شخصياً أتعاطف مع إخوتي المسلمين الذين يعرفون الإسلام المجتمعي، الذي تربوا عليه؛ لكن أنتم يا علماء الإسلام، لماذا لا تبادروا بهذا الحل الذكي، وهو أن تأخذوا كل الكتب التراثية التي ينهل منها الداعشيون وتحرقوها علنا أمام الملأ، وتقولوا أن ليست لكم صلة بصحيح البخاري ومسلم ومؤلفات ابن تيمية وغيرها من كتب التراث، أو تنقحوها كما فعلت الطائفة الأحمدية الإسلامية التي كفرها الأزهر سنة (1973) في المرة الأولى، وأعاد تكفيرها سنة (1982).

اليوم نعرف داعش بالاسم فقط وما يسوقه الإعلام المؤدلج والرسمي عنها، لكننا لا نعرف أن قادتها هم دكاترة الشريعة الإسلامية وعلى رأسهم البغدادي المدعو بالخليفة؛ فلا تقولوا لنا بعد اليوم إن هؤلاء لا يدرون ما يفعلون!

محمد سعيد

المراجع:

1 - مقال بعنوان "هيمنة الله على الإنسان" للكاتب صلاح الدين بوسريف بجريدة هسبريس (الخميس 15 يونيو 2015)

*باحث في مقارنة الأديان، عضو المكتب التنفيذي لمركز الدراسات والأبحاث الإنسانية مدى