يبدو أن هناك نوع محسوب "قسرا" على الصحافة بالمغرب قد تجاوز بكثير ما يعرف "بصحافة السيسي"، نسبة إلى الإعلام الذي ظهر عقب الإنقلاب الذي حدث بمصر سنة 2013 بقيادة الفريق أول عبد الفتاح السيسي، الذي عزل الرئيس المنتخب، وعطل العمل بالدستور، وقطع بث العديد من وسائل الإعلام.. حيث أصبحنا اليوم أمام فوضى إعلامية غير مسبوقة تقدم نموذج جد سيء عن الإعلام المغربي، وتزيح بجرة قلم تجربة نوعية راكمتها أسماء وازنة عبر عقود من الزمن، منم قضى نحبه، ومنهم من وضع اليوم أمام هذه التجربة المؤلمة المدعمة بالمال والبشر، على هامش مشهد إعلامي يحتاج إلى نقاش جدي وعاجل أمام هذه الظاهرة الفريدة، التي أصبحت لا تطاق .

فالمتصفح لهذه المواقع الذي تضاعف عددها، وتجاوز 30 موقعا إلكترونيا، يصاب بالدوران، لما يشاهده من فظائع مهنية لا أعتقد أنها تتواجد في دولة أخرى مشابهة للمغرب، فلا يكاد يجد المتتبع ولو مادة صحفية واحدة تتوفر على الحد الأدنى من المهنية والأخلاق، وهو ما يهدد حقيقة التجربة الإعلامية المغربية، ويجعلها على حفا الهاوية إذا لم تتحرك المكونات الجادة والمعتبرة داخل الحقل الإعلامي الوطني، لإيقاف هذا الزحف الرهيب .

هناك من يرى أن هذا الموضوع لا يجب أن تعطى له كل هاته المساحة من الاهتمام، وأن التجاهل هو سيد الموقف في مثل هذه الحالات، لكن إذا علمنا الإمكانات التي تتحرك من خلالها هذه المواقع، وحجم الانتشار الذي بدأت تشكله، خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي حيث تجد مثل هذه الأخبار حظها الوافر من المشاركة والإعجاب، والدعم المنقطع النظير التي توفره لها جهة ما، وطبيعة المعطيات الخاصة والشخصية التي تبثها وتنشرها عن المنتقدين والمعارضين، اتضح لنا أهمية التدخل العاجل، وضرورته الملحة والعاجلة، قبل اكتساح الساحة وتغطية وتهميش الإعلام الجاد الذي صار صوته مبحوحا، وسط حالات استقطاب حادة لصحفيين معتبرين تدفعهم الحاجة إلى العمل في "مؤسسات إعلام التشهير"، الذي أصبح القاعدة لمواقع إلكترونية جادة متجهة نحو"الاستثناء" .

لكن الأفظع في ملف المواقع الإلكترونية المتخصصة في السب والشتم المبالغ فيه، بل المضحك، أن معظمها يتوفر على العضوية في النقابة الوطنية للصحافة المغربية، وهو ما يجعلنا نتساءل عن دور التنظيم النقابي في هذه  الفوضى الهجينة، وما الذي فعلته نقابة الصحافة عمليا للحد من انتشار هذه الفوضى؟ ولماذا تقبل هذه المواقع في صفوفها، وتعطيها الفرصة للتواجد داخل أجهزتها ؟ وهل عضوية هذه المواقع تفرض على النقابة رغم علمها بدسها لأخلاقيات المهنة ؟ فالأمر يحتاج إلى توضيحات من طرف قيادات النقابة الأكثر قربا ودلعا وسط كوكبة من الإطارات التي تمثل الجسم الإعلامي الوطني.

ليس هذا فحسب، بل إن تلك المواقع الإلكترونية حاصلة على البطاقة المهنية التي تمنحها وزارة الاتصال، والتي من خلالها أرادت الدولة أن تقول وتحدد لنا طبيعة الصحافة التي تريدها السلطات، وبما أن هذه المواقع "مواقع التشهير"، تتوفر على بطاقة مهنية يعني تزكية رسمية، وهي عضو في النقابة الوطنية للصحافة المغربية، وبعضها عضو أيضا في فدرالية الناشرين.. بمعنى دعم مكونات الجسم الإعلامي بشقيه، فمن المحتمل جدا أن نجد هذه المواقع من يمثلها في المجلس القادم للصحافة الذي من مهامه مراقبة احترام أخلاقيات المهنة .

السؤال المطروح بقوة اليوم، هل تستطيع نقابة الصحفيين إيقاف النزيف ؟ الجواب بالنفي، فيكفي أن نتأمل مضمون البيان الأخير المتعلق بقضية الصحافي توفيق بوعشرين ناشر يومية "أخبار اليوم"، لنعرف حجم الضعف التي توجد عليه النقابة، فرغم كل المجازر التي ترتكبها "مواقع التشهير" ولا زالت، في قضية بوعشرين وغيرها كثير، بل انه كلما اقترب موعد الجلسة الأولى لهذه القضية المقررة يوم 8 مارس الجاري، إلا وازداد التشهير بشكل لم يسبق أن عاشته ساحة الصحافة الوطنية، ومع ذلك اكتفت قيادة النقابة فقط بتوجيه مناشدة إلى تلك المواقع، ودعتها إلى احترام أخلاقيات المهنة، بشكل يحس معه المتتبع بضعف النقابة أمام هاته المواقع التي تبدو أقوى مما يتصور المرء.

 ورغم اعترافها بأن الأمر يتعلق "بسمعة وكرامة وأعراض المعنيين بالأمر وتضر كثيرا بمستقبلهم الاجتماعي والمهني وكذا بأفراد أسرهم وعائلاتهم"، فإن بلاغ النقابة فاجأ المتتبعين بوصف تلك الفظائع ب"التجاوزات"، عوض التأكيد على أنها "انتهاكات" تحتاج إلى تدابير عقابية، ما دام الأمر يتعلق بأعراض الناس، وبتشهير مبالغ فيه يحتاج إلى رادع .

إن الوضعية الحالية للنقابة الوطنية للصحافة المغربية لا تسمح لها بإحداث تغيير على هذا المستوى، وما دام انتهاك "أخلاقيات العمل الصحفي" وبتلك الفظاعة تأتي من داخل نقابة الصحافة، فهي غير مؤهلة للحديث ومناقشة هذا الموضوع، فالمطلوب من القوى المتواجد خارج النقابة أخذ زمام المبادرة، والتحرك من أجل إيقاف هذا النزيف قبل أن تحل الكارثة بالإعلام الوطني، خاصة وأن هذه القوى تمثل الشريحة الأوسع وسط الجسم الإعلامي المغربي .

 

عبد الله أفتات