لم تنجح الأمم المتحدة في تقديم معالجة للمسألة السورية طوال سبعة أعوام، وبقيت طوال هذه الفترة تتأرجح بين الفشل والأكثر فشلا، وتحولت إلى ساحة للمرافعات الدبلوماسية واستعراض القوة، الأمر الذي انعكس في صورة كبيرة على سمعتها ورصيدها ودورها الذي قامت من أجله، وخصوصا تقديم المساعدة للمدنيين في ظروف الحرب.

لم تنته المأساة السورية بعد، حتى نجري عملية تقييم شاملة للآثار التي تركها غياب مؤسسات الأمم المتحدة خلال مجريات واحدةٍ من أعقد الأزمات، وأكثرها حدة في تاريخ المنظمة الدولية منذ الحرب العالمية الثانية، إلا أن الحصيلة حتى الآن تكفي للحكم على مصداقية الأمم المتحدة على نحو سلبي، ووضعها أمام حكم تاريخي قاس، لم يسبق لها أن وجدت نفسها حياله.

سبعة أعوام والأمم المتحدة في حالة تراجع دائم، كأنها قرّرت أن تتقدم نحو الوراء. وبدلا من أن تولي القضية اهتماما يرتقي إلى مستوى خطورتها، فإنها اكتفت بإدارة الأزمة وتصريفها. وقبل الخوض في أسباب هذه الوضعية المزرية التي قبلت أن تتعايش معها، وتتقنها حتى الرمق الأخير، يستدعي السياق سرد ملاحظتين مهمتين. الأولى أن الأمم المتحدة لم تكن في موقع المبادر طوال الأزمة السورية، وعلى الرغم من أنه صدر عنها قرارات وتوصيات كثيرة، إلا أنها لم تكن منطلقة من تقدير دقيق للموقف، والبناء عليه من أجل إيجاد مخرجٍ من الطريق الذي كان يضيق في كل يوم.

الملاحظة الثانية أن الأمم المتحدة انتدبت شخصياتٍ لا تتمتع بكفاءات قيادية، قادرة على تحمل المسؤولية حتى النهاية، فالأمين العام السابق، بان كي مون، كان شخصية ضعيفة جدا، وتصرّف كأنه موظف لدى الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، وكانت غاية طموحه إرضاء هذه الدول مجتمعة. وقد انسحب هذا الوضع المائع على أسلوب التعامل مع القضية السورية، وأسهم في تحديد نوعية الرجال الذين تولوا مهماتٍ ذات طابع مفصلي في فريق الأمين العام. وينطبق هذا الأمر على المبعوثين الدائمين إلى سورية، من كوفي عنان والأخضر الإبراهيمي وحتى ستيفان دي ميستورا الذي يشكل نموذجا فاضحا عن هزال الأمم المتحدة ومحدودية دورها وحضورها، ويصلح هذا الرجل للعب دور تصفية نزاعات، وليس حل نزاعات، ويكفيه أنه استمر في موقعه منذ منتصف عام 2014، ولم ينجح حتى في إدخال شحنة حليب ودواء إلى منطقة محاصرة، ومع ذلك يستمر في تنظيم استعراضات بهلوانية مفتوحة، أدت إلى تمديد الوقت أمام عملية القتل.

تتحمل روسيا والولايات المتحدة المسؤولية الرئيسية في منع الأمم المتحدة من لعب دورها في معالجة الأزمة السورية، وبالتالي تدمير مصداقية المنظمة الدولية. وفي حين يتسم الموقف الروسي على مسرح الأمم المتحدة بأنه هجومي، فقد كان نظيره الأميركي انهزاميا في لحظات ذات طابع مفصلي، مثل الموقف من عملية قصف الغوطة بالسلاح الكيميائي في أغسطس/ آب 2013، حيث شكل التخاذل الأميركي عن محاسبة النظام السوري، بسبب ارتكابه جريمة ضد الإنسانية، مدخلا لإفلات هذا النظام من العقاب من منظور الأمم المتحدة، الأمر الذي أعطى روسيا سلاحا قويا تناور به، منذ ذلك الحين، إلى حد اختطافها مجلس الأمن الذي استخدمت فيه الفيتو 12 مرة لمنع إدانة النظام السوري، ووقف جرائمه.

لو كانت الأمم المتحدة جادّة لكانت أولت المسألة السورية اهتماما مختلفا، شبيها بأزماتٍ أخرى، مثل رواندا، وفي هذه الحالة فاتها أن تدرس جديا إرسال قوات دولية لوقف قتل المدنيين.

وهناك ملاحظة أخيرة، هي أن تهاون الأمم المتحدة في سورية شجع روسيا على الاستهتار بها، وتعطيل قراراتها في أماكن أخرى، ليس في أوكرانيا فحسب، بل حتى في اليمن وليبيا.

بشير البكر