المعركة المجتمعية محتدمة في تونس ولا احد يقاتل من اجلها. كل معني بمعركته، وكل يستعمل ما أتيح له من أسلحة لتحقيق أهدافه.

الكل يقاتل في تونس، ومن لم يجد له معركة فمن السهل عليه اختراع أي واحدة، فالقتال مجاني، لا تخسر فيه سوى الدولة. المعتصمون في ارض الفوسفات، أهم موارد الدولة التونسية، أوقفوا إنتاج الفوسفات نهائيا، والحقوا خسائر فادحة بكل المجموعة الوطنية، ولا زال النزيف متواصلا إلى حد كتابة هذه الكلمات. المعتصمون في الكامور (الجنوب التونسي) عادوا لتهديد الدولة بإيقاف استخراج البترول وغلق كل حقول النفط في الجنوب، هؤلاء أمهلوا الدولة أسبوعا واحدا للاستجابة إلى مطالبهم. رجال التربية هددوا الدولة بحجب الأعداد على التلاميذ إلى حين الاستجابة إلى كل مطالبهم. رجال نقابات الأمن، مدججين بأسلحتهم، حاصروا محكمة لفرض عدم مسائلة متهمين منهم في شبهة التعذيب. والمعارك لا حد لها في هذا الوطن الصغير.

في كل هذه المعارك، ومعارك أخرى، استعمل كل طرف ما أتيح له من أسلحة. تساوت الأسلحة، فكانت بندقية رجل الأمن مثلها مثل قطع الطرقات، مثل توقيف وسائل الإنتاج، مثل حجب الأعداد عن ملايين التلاميذ، ما دامت كل هذه الأسلحة موجهة إلى الإضرار بالمجموعة الوطنية، وهرسلة الدولة وتمزيقها.

تكمن مأساة هذه الدولة الممزقة في أنها تستجيب لكل شروط الوطن إلا إن وعي أبناءها لم يرتقِ بعد إلى درجة المواطنة. كأن التونسيين غزاة دخلوا بلدا وسعى كل منهم إلى الاستئثار بأقصى ما يمكن من غنائم، ولو كلفه ذلك استعمال أكثر الأسلحة فتكا بكل طرف منافس. وفي نفس هذا السياق خذلت ثورة يناير وتحطمت معها أحلام شعب بأكمله. ولو كان وعي المواطنة كبيرا لحافظ الجميع على هذا الوطن ومقدراته، ولما اضر أي من الأطراف به، لان المواطنة تضع كل الخطوط الحمراء أمام وحدة الوطن وتماسكه والحفاظ عليه.

الحفاظ على الوطن لا يعني التنازل على كل شيء وعدم المطالبة بالحقوق. الحفاظ على الوطن يعني عدم استعمال الأسلحة التي مكنتنا منها المجموعة الوطنية لغاية تطوير الوطن والرقي بالجميع، ولا يعني استعمال هذه الأسلحة لتدمير الوحدة الوطنية وإرهاق وطن مرهق.

لن تنتهي هذه المعارك قريبا، ولن تنتهي هذه الفوضى في الوعي، ربما يحتاج الشعب التونسي إلى مزيد من الأزمات لكي تتطور لديه ملكة المواطنة. الأزمة لن تنتهي قبل انتخابات 2019، ستنتهي بعد ذلك بكثير.

 

د. محجوب احمد قاهري