جاء في الحديث الشريف: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: “لا يدخل الجنة عجوز” فيما رواه الترميذي في الشمائل، عن الحسن رضي الله عنه وأرضاه، حين سألته (صلعم) امرأة. بأن يدعو لها، بأن تدخل الجنة، فما كان من النبي (صلعم) إلا أن قال لها: “لا يدخل الجنة عجوز” ” فولت العجوز وهي تبكي، فقال (صلعم) أخبروها، أنها ليست يومئذ بعجوز، وأنها يومئذ شابة. لان الله عز وجل يقول: ” إنا أنشأناهن إنشاء، فجعلناهن أبكارا عربا أترابا” الآية 35 من سورة الواقعة.

مما لا شك فيه، أن المثال هذا، ينطبق في نظرنا، على واقعة الحال: واقعة كل امرأة تلج خطة العدالة،لأن الأحوال حينها تتغير، ولأن خطة العدالة بدورها، مقبلة، ومشرفة، على التغيير الجذري على ما كانت عليه منذ العهود السابقة، وعلى ما كانت محكومة به، من نظرية: العرف، والعادة، والخصوصية المغربية، الموروثة جميعها عن عهد الحماية البائد.
ومن طبيعة الحال، أن ولوج المرأة، خطة العدالة، هو: تغيير للمسار المعتاد، وإعادة نظر في طبيعة التوثيق العدلي برمته، من أجل تغييره تغييرا جذريا، يقطع مع الماضي في كل شكلياته، ويؤسس لنموذج معاصر في التوثيق برمته، ويحافظ في الوقت نفسه، على كل مقومات مميزاته، فما على المشرع المغربي، إلا أن يتبصر، ويهتم، ويكون في مستوى الحدث، وينسى كل ما كانت خطة العدالة، محكومة به فيما سبق.
وليس اعتباطا أن يجيء الأمر المولوي السامي: (بفتح خطة العدالة أمام المرأة، وباتخاذ التدابير اللازمة لتحقيق هذا الهدف).
وليس اعتباطا أيضا أن يجيء الميثاق الوطني لإصلاح العدالة بالمغرب، صريحا في الفقرة 169 منه: ب (الارتقاء بخطة العدالة بما يسهم في تحديثها، وفتح المجال أمام المرأة لممارستها، لا سيما بتبني نظام الكاتب العدل).
إذا، فلا عجب، ولا تردد، ولا قلق، ولا استغراب في الأمر، لأنه لم يبق للعرف وما معه، مكان في ظل دستور 2011، وفي ظل الأمر المولوي السامي،
ولأن في ولوج المرأة خطة العدالة، وداعا للروتين، الموروث عن حقبة الاستعمار، ووداعا لكل ماض تشريعي، يتنافى مع متطلبات العصر، وضروريات الحياة، ووداعا لكل التجاوزات العديدة، التي ظلت جاثمة على خطة العدالة وعلى المواطنين المرتفقين بميدانها وحدهما، المستمد أصلها من قانون الحماية بالمغرب، من خلال ظهير7-7-1914 أنظره في العدد الأول من الجريدة الرسمية، وقارن بينه وبين قانون 16.03 فسوف يظهر بجلاء، أن هذا الأخير في عمقه، ما هو إلا نسخة منمقة من الأول الأصل.
ونعم للحرية المسؤولة، وللانفتاح، والتقدم، والاعتراف بالتنمية المستدامة، والمساواة، وتكافؤ الفرص، والحفاظ على شرف المهنة، وأخلاقياتها الحميدة.
إذا فسوف تلج المرأة المثقفة خطة العدالة، وتصبح كاتبة بالعدل بانفرادها بكل مسؤولية، والعدل سيصبح كاتبا بالعدل بانفراده بكل مسؤولية، مصداقا لقوله تعالى: (وليكتب بينكم كاتب بالعدل) الآية 282 سورة البقرة، وعملا بالسنة النبوية الشريفة، التي حفظ لنا التاريخ: أقدم كتاب لرسول الله (صلعم) في الموضوع: والذي أورده الأستاذ: عبد الحي الكتاني، في كتابه التراتيب الإدارية، الجزء الأول ص 274 طبعة 1985 ونصه: (بسم الله الرحمان الرحيم، كتاب من محمد رسول الله لفتاه أسلم: إني أعتقك لله عتقا مبتولا، الله أعتقك، وله المن علي وعليك، فأنت حر لا سبيل لأحد عليك، إلا سبيل الإسلام. وعصمة الإيمان، شهد بذلك: أبو بكر، وشهد عثمان، وشهد علي، وكتب معاوية ابن أبي سفيان).
فنلاحظ أن كلمة كاتب في الآية الكريمة أعلاه، جاءت نكرة، وهي في مصطلح الأصوليين: تعم الذكر والأنثى، منفردين، والذي كتب في الحديث الشريف أعلاه، هو: واحد، والشهود متعددون.
وعليه فلم يبق مجال للعبث والتردد، ولا لخلط الأوراق، ولا لتجاهل المرجعيات الشرعية، والتشريعية بالنظريات الفلسفية، التي تتسارع، وتتسابق، من أجل ذر الرماد في العيون، وإبقاء الأمر على ما هو عليه خدمة لغايات خاصة.
فالتفاعل مع المرجعيات أعلاه بواقعية، أمر مقدس، والخروج عنه عقوق للمقدسات، وخروج عن الإجماع، وحنين إلى البقاء على الماضي المتخلف عن عهد الحماية، والعدول قاطبة، وعلى امتداد التراب الوطني، لا يقبلون، ولن يقبلوا أبدا: العقوق للمقدسات، وكل ما يخالف الوفاء لشعار المملكة: الله، الوطن، الملك، سواء أكان العقوق بينا، أو متخفيا ومنمقا .
ولا نذهب بعيدا، في تلمس الطريق الموصلة إلى إنجاح الحدث الجديد، حدث ولوج المرأة خطة العدالة بالمغرب، فما على المشرع إلا أن يمتثل (للتوجيهات المولوية السامية) و (لدستور 2011، في الحكامة الجيدة والعادلة) و (لقول ربنا وسنة نبينا محمد (صلعم) فيما ذكرنا أعلاه)، (ولما تقدمت به جمعيتنا، وبمساندة النقابة الوطنية لعدول المغرب) من مقترحات، ومطالب بناءة، ومتجردة، وخلاقة، (خدمة للمصلحة العليا للوطن): أمام الجهات العليا في البلاد، ومنذ سنوات، كما هي مبسوطة أمامها، ومبسوطة بجريدة “الصباح” في عدة أعداد، وخصوصا تحتعدد 5528 بتاريخ 3+4 فبراير 2018 .
وأجزم كل الجزم باسم جمعيتنا، وبمساندة نقابتنا الوطنية لعدول المغرب، أن تحقيق مطالبنا هذه، هي الطريق المثلى، في إنجاح ولوج المرأة خطة العدالة بالمغرب، ينضاف إليها العمل الجاد، على تأسيس: مؤسسة جامعة، في كل دائرة ابتدائية، يمكن أن نسميها: (دار العدول) يمكن أن تتفرع عنها مكاتب مهنية هنا وهناك، تضم جميع عدول الدائرة الابتدائية، ذكورا وإناثا، وبنظام بيني، محكم وخاص، يتحقق من خلال هذه المؤسسة، التشارك، والاندماج، والمساواة، وتكافؤ الفرص، والعدالة الوقائية، والمساعدة على التكوين الذاتي العملي المستمر، في شرف وكرامة، علما بأن المؤسسة هذه (دار العدول) هي حق مكتسب منذ قديم لخطة العدالة بالمغرب على الدولة، سلب منها عن طريق الإجراءات التعسفية التي طالت، وتطول الخطة باستمرار، أنظر جريدة الصباح عدد 5509 بتاريخ 11-12-2017. وفي الختام وبإسم جمعيتنا ومساندة نقابتنا الوطنية لعدول المغرب، فإننا نصرح بأننا متمسكون بمطالبنا البناءة المشار إليها أعلاه، وكل ما جاء على نهجها لفائدة الصالح العام، ونرفض كل تلكؤ في تفعيلها، من أي جهة جاء، ونقول ما قاله الشاعر: وإذا الشعب يوما أراد الحياة *فلا بد أن يستجيب القدر* ولا بد لليل أن ينجلي* ولابد للقيد أن ينكسر*. و ها هو شعب العدول. على كامل الاستعداد للتغيير الجذري البناء، لخطة العدالة بالمغرب.

الحاج محمد صابر

* (عدل بالمحمدية)
ـ رئيس جمعية عدول استئنافية الدار البيضاء
ـ رئيس لجنة البحوث العلمية والكفاءات المهنية في
النقابة الوطنية لعدول المغرب