مثل كثير من المهتمين بالموضوع، أتوصل باستمرار عبر الإيميل ببيانات وإعلانات عديدة من شتى المنظمات الأمازيغية الثقافية والاجتماعية والسياسية مثل منظمة "التجمع العالمي الأمازيغي" حول مؤتمراتها وأنشطتها ومواقفها. وهذا في حد ذاته شيء جيد لأنها تتواصل مع المواطنين ووسائل الإعلام في البلدان الأمازيغية وخارجها.

ولكن الشيء الغريب والعجيب دائما وأبدا هو أن تلك البيانات والتصريحات المكتوبة تكون دائما مكتوبة باللغتين العربية الفصحى والفرنسية فقط، دون الأمازيغية.

لا يكتب نشطاء المنظمات الأمازيغية بياناتهم وأدبياتهم باللغة الأمازيغية أبدا، لا بالحرف اللاتيني (وهو الأصلح والأسهل) ولا بحرف ثيفيناغ ولا حتى بالحرف العربي.

إذا كان الهدف المركزي والجوهري لمنظمتك أو جمعيتك هو الدفاع عن اللغة الأمازيغية والدفاع عن الهوية الأمازيغية للمغرب وبقية بلدان العالم الأمازيغي العريض فلماذا لا تبدأ بنفسك وبمنظمتك وتنشر بيانا ولو قصيرا من أربع أو خمس فقرات بهذه اللغة الأمازيغية التي تدافع عنها؟ واختر في كتابة الأمازيغية أي حرف يعجبك.

وبجانب ذلك يمكنك طبعا نشر النسخة العربية أو الفرنسية أو الإنجليزية لأدبياتك وبياناتك في وسائل الإعلام من أجل الوصول إلى المنابر الإعلامية الناطقة بتلك اللغات وغيرها.

وقد توصلت منذ أيام عبر الإيميل من منظمة "التجمع الأمازيغي العالمي" ببيان ختامي مفصل باللغتين الفرنسية والعربية يتضمن مجموعة من القضايا التي نوقشت في مؤتمرها التاسع بمدينة مراكش Meṛṛakec في 16 يبراير 2018. ويتضمن البيان المناقشات والتوصيات والمطالب التي اتفق عليها المشاركون في المؤتمر الذين جاءوا من كل أنحاء بلدان العالم الأمازيغي.

ولا أريد التبخيس من مجهودات هذه المنظمة الأمازيغية والمشاركين فيها. فمجهوداتها طيبة ومهمة ونافعة للمغرب ولشعوب العالم الأمازيغي. ولكنهم لا يمارسون اللغة الأمازيغية التي يدعون إلى تدريسها ونشرها ولا يكتبون بها بياناتهم وأدبياتهم ولا ينشرون بها فيديوهاتهم.

وهذه هي نقطة ضعف كل نشطاء الحركات الأمازيغية في المغرب والجزائر وأوروبا. فهم يدعون صباح مساء إلى تدريس وترسيم اللغة الأمازيغية وينفقون قدرا هائلا من أوقاتهم ومجهوداتهم في تلك الدعوات والأنشطة والمؤتمرات والمظاهرات والوقفات، ولكنهم لا يمارسون ما يدعون إليه فيهملون الكتابة بالأمازيغية ويعمدون إلى كتابة كل أدبياتهم وبياناتهم بالعربية والفرنسية. ولا يبذلون أبدا أي مجهود في إصدار أي بيان أو فيديو باللغة الأمازيغية للرأي العام الناطق بالأمازيغية.

ولا أعرف بالضبط لماذا يصومون عن الكتابة باللغة الأمازيغية. ولا يمكنني إلا أن أحاول تقدير بعض الأسباب المحتملة:

- أنهم ربما يتخوفون من أن بيانهم الأمازيغي المكتوب بحرف ثيفيناغ لن يقرأه أحد لأن المغاربة لا يعرفون حرف ثيفيناغ وبالتالي سيذهب مجهودهم أدراج الرياح لأنهم سيكتبون شيئا لن يقرأه أحد. وحل هذا المشكل هو كتابة بياناتهم وأدبياتهم الأمازيغية بالحرف اللاتيني أو كتابتها بالحرفين معا: اللاتيني وثيفيناغ. بل إنه لا عيب إطلاقا في كتابة أدبياتهم الأمازيغية بالحروف الثلاثة: الحرف اللاتيني، حرف ثيفيناغ، الحرف العربي، من أجل رفع مقروئية وجاذبية منتوجهم الأمازيغي اللغة إلى أقصى حد ممكن.

- أنهم يتخوفون من أن تكون اللغة الأمازيغية التي سيكتبون بها مثقلة بالكلمات الأجنبية المقترضة من الفرنسية والعربية والإسبانية والدارجة مما يجعل تلك الأمازيغية غير صافية أو غير منمقة أو غير مقبولة. وهذا خطأ. فالأمازيغية تبقى أمازيغية حتى لو استعملنا فيها كلمات مقترضة من لغات أخرى. وكل اللغات تحتوي على كلمات مقترضة ومن بينها العربية والدارجة والفرنسية والإنجليزية والتركية. وأنا إذا كتبت نصا أمازيغيا يحتوي في 50% أو 80% منه على كلمات غير أمازيغية الأصل فإن ذلك خير من أن لا أكتب شيئا وأتجاهل اللغة الأمازيغية تماما وأصوم عن كتابتها. فمثلا في اللغة الإنجليزية لا تتجاوز نسبة الكلمات الجرمانية الأصل 40% أما نسبة 60% فهي كلمات إنجليزية أو "منجلزة" ذات أصل لاتيني وإغريقي وغيره. ولكن الإنجليزية تبقى لغة إنجليزية جرمانية دائما لأن هيكلها وجوهرها وجسمها ونحوها وصرفها جرماني إنجليزي.

- أنهم ربما بسبب عدم تمرسهم بكتابة اللغة الأمازيغية قد يجدون صعوبة في التعبير عن المفاهيم الأدبية المجردة المعقدة التي تعودوا على سماعها في الإعلام والتعبير عنها باللغتين الأدبيتين الإنشائيتين الفرنسية والعربية. وهذا عذر مفهوم ولكنه غير مقبول. فلا أحد يطالبهم بكتابة تحف بلاغية أدبية أمازيغية. ولا عيب على الإطلاق في التعبير بشكل مبسط باللغة الأمازيغية عن مواضيع سياسية أو اقتصادية أو حقوقية. بل إن التبسيط اللغوي أفضل حل للوصول إلى المواطن وإحداث التغيير الديمقراطي والسياسي في ثامازغا.

- أنهم ربما قد يرون بأنهم يفتقرون إلى الموارد البشرية والتقنية لكتابة بيان باللغة الأمازيغية وطباعته وتعميمه على وسائل الإعلام. وهذا شيء مستحيل التصديق. فأعضاء تلك المنظمات بالعشرات أو بالمئات ويملكون كل الموارد التقنية (قواميس أمازيغية، أجهزة الكومبيوتر، الطابعات، التيليفونات، المقرات، الإنترنيت، الكاميرات). وبتلك الموارد يكتبون بياناتهم وأدبياتهم باللغات الأخرى الفرنسية والعربية! والأمازيغية لا تحتاج إلى أكثر مما تحتاج إليه العربية والفرنسية!

- أنهم ربما ينتظرون المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية (الإيركام) أن يصنع لهم ويخرج لهم "لغة معيارية أمازيغية فصحى" على منوال العربية الفصحى الأدبية الإسلامية القرآنية. وهذا تفكير كارثي يتسبب في تجميد اللغة الأمازيغية وشلها وتجميد كل شيء.

- أنهم ربما ينتظرون من الدولة أن تكتب لهم بالأمازيغية وتخرج لهم القانون التنظيمي والقانون الفلاني والقانون العلاني. وهذا أيضا تفكير كارثي مبني على الأوهام. فالدولة لا تعطيك شيئا قبل أن تأخذ منك عشرة أشياء. ولا تستجيب لمطلبك قبل أن تمص دمك مصا.

- أنهم ربما لم يعتادوا على فكرة كتابة الأدبيات والبيانات الإعلامية باللغة الأمازيغية وإصدار الفيديوهات الناطقة بالأمازيغية. وهنا يجب على هؤلاء الناشطين أن يغيروا عاداتهم وروتيناتهم ويبدأوا في ممارسة اللغة الأمازيغية التي يتحدثون عنها وينظمون المؤتمرات بشأنها ويصرفون أموالهم ووقتهم الثمين في سبيلها. فلا يعقل أننا نعيش في 2018 ولا تستطيع مئات المنظمات الأمازيغية أن تصدر بيانا من صفحة واحدة باللغة الأمازيغية بحرف ثيفيناغ أو بالحرف اللاتيني.

إنها فضيحة بكل المقاييس أن المغاربة لا يملكون في عام 2018 موقعا إخباريا واحدا مستقلا باللغة الأمازيغية (هناك نسخة ثيفيناغية من وكالة MAP الرسمية للأنباء لا يقرأها أحد). وإنها فضيحة بكل المقاييس أن معظم النشطاء والجمعويين في مجال الأمازيغية لا يصدرون أدبياتهم وبياناتهم ومقالاتهم باللغة الأمازيغية ويعاملون اللغة الأمازيغية وكأنها معبد مرابوتي مقدس لا يُلْمَس ولا يُمَسّ يدورون حوله ولا يجرؤون على الاقتراب منه ويحتاجون إلى وساطة "كهنة الدولة" و"كهنة الإيركام" لكي يتعاملوا مع اللغة الأمازيغية، مثلما يحتاج أتباع الدين إلى وساطة رجال الدين وكهنة الدين للتعامل مع الدين والخوض فيه.

ولا يعقل أن نطالب الدولة المغربية (ذات السياسة التعريبية المفرنسة المتواصلة على قدم وساق) بكتابة الأمازيغية وترسيمها إذا كانت المنظمات الأمازيغية العتيدة لا تستطيع إصدار صفحة واحدة باللغة الأمازيغية بالحرف اللاتيني أو بثيفيناغ رغم توفر إمكانيات الطباعة والرقن والنشر والتواصل والفيديو.

ومن ينتظر "اللغة الأمازيغية المعيارية الفصحى" لتخرج من المعهد الملكي (الإيركام) فهو ينتظر الوهم والسراب. اللغة الأمازيغية هي التي تتكلمها أنت في بيتك وشارعك وعملك وهي الموجودة في كتب وقواميس اللغة الأمازيغية التي تمت طباعتها قبل أن يوجد شيء اسمه "الإيركام" عام 2001.

ولا تقلق من أن لا يتفاهم السوسي مع الريفي مع الأطلسي مع اليزناسني مع الفكيكي مع الغماري. فهذا عذر مضحك لأنه بقليل من المجهود والتعود يستطيع الجميع التفاهم شفويا وكتابيا كما يتفاهم بالدارجة (أو بالدارجات) الطنجاوي مع الزاكوري مع البوجدوري بقليل من المجهود.

اللغة الأمازيغية موجودة الآن ومكتوبة الآن ولا نحتاج إلى انتظار صدور أمازيغية خيالية جديدة.

اقرأوا من فضلكم ترجمتي الأمازيغية الكاملة بالحرف اللاتيني للدستور المغربي هنا:

www.freemorocco.com/tamendawt.pdf

وقولوا لي من فضلكم هل هذه أمازيغية أم بردقيزية أم شينوية أم بولونية أم نرويجية؟

إنها أمازيغية عادية تدمج بين لهجات اللغة الأمازيغية المتنوعة لتعبر عن الموضوع، بدون إيركام ولا معيرة ولا أمازيغية معيارية فصحى إيركامية خرافية ولا قانون تنظيمي.

الحل لكل النشطاء الجمعويين والكتاب والمدونين والفسابكة واليتاوبة والتواترة والوتاسپة هو التشمير عن سواعدهم والكتابة والتعليق بلغتهم الأمازيغية اليومية بالحرف الذي يعجبهم (والاقتداء بالكرد المجتهدين الذين يملكون مئات المواقع بالكردية وعشرات القنوات الفضائية الكردية).

المطلوب هو الإنتاج الأمازيغي المستقل الفيديوي والإعلامي والصحفي في مواضيع السياسة والاقتصاد والرياضة والترفيه وليس انتظار أوهام الأمازيغية الإيركامية الفصحى وأوهام القانون التنظيمي. فتلك أوهام وأحلام لن تغير شيئا على الأرض إذا استمر الأمازيغ المتعلمون المثقفون في الصوم عن الكتابة بلغتهم وأصروا على معاملة اللغة الأمازيغية كصنم مقدس لا يُقتَرَبُ منه ولا يُلمَسُ ويُعبَدُ عن بعد.

ليس من الضروري أن يفهم كل أمازيغي من الـ 100.000.000 أمازيغي في ثامازغا ما كتبته بلغتك الأمازيغية (التي قد تطغى عليها مثلا لهجة مدينتك وهذا طيب ولا ضرر منه إطلاقا).

فإذا قرأ 400 شخص فقط مقالك أو كتابك أو بيانك الأمازيغي وفهموه بينما لم يفهمه 1.000.000 أمازيغي آخر فإن مقالك أو كتابك أو بيانك ناجح جدا.

لماذا؟

لأنك كتبت شيئا باللغة الأمازيغية فهمه في البدء شخص واحد (1) هو أنت الكاتب ثم نشرته في الإنترنيت أو الصحافة فقرأه وفهمه 400 مغربي أو جزائري. فأنت قد انتقلت من 1 إلى 400 وهذا إنجاز عظيم جدا.

الآن خذ في اعتبارك أنه حسب الإحصائيات الرسمية يوجد حوالي 10.000.000 مغربي ناطق بالأمازيغية من بينهم على الأقل 5.000.000 متعلم قادر على قراءة الأمازيغية بالحرف اللاتيني فورا.

ثم زد عليهم ملايين المتعلمين الناطقين بالأمازيغية في الجزائر وليبيا والجالية الأمازيغية بأوروبا... إلخ.

إذا قرأ 1% فقط منهم كتابك أو مقالك أو بيانك المكتوب باللغة الأمازيغية فأنت قد وصلت إلى عشرات الآلاف أو مئات الآلاف.

وهذا هو الترسيم الشعبي الحقيقي للغة الأمازيغية.

إنه ترسيم واقعي وممارسة واقعية للغة الأمازيغية في تطبيعٍ مع الواقع على الأرض بدون إذن الدولة وبدون بيروقراطيتها وبدون عراقيلها وهرائها وبدون مراوغات وألاعيب مرتزقة السياسة.

أما من لا ينتج شيئا وينتظر الدولة والإيركام والوزارة لينجزوا له كل شيء وليكتبوا له "الأمازيغية الفصحى المعيارية الممعيرة" فهو ينتظر الوهم وسينتظر إلى الأبد ولن يحصل على ما يريد.

 

مبارك بلقاسم


 

tussna@gmail.com