ﻻ تختلف حكاية كفاح المرأة المغربية عن نظيراتها من نساء العالم العربي، فالمغرب دولة عريقة التاريخ والحضارة عاصرت مجموعة من الحضارات من بداياتها إلى نهايتها وأثرت وتأثرت بها وقد عرف المغرب تطورا ملموسا ورقيا حضاريا عبر تاريخه المجيد. وبما أن المرأة نصف المجتمع كان لا بد أن تكون لها بصمة إلى جانب أخيها الرجل في تطور البلد وازدهاره في جميع الميادين الاجتماعية والثقافية والاقتصادية.. 

وإذا ما قمنا بدراسة حول الموضوع سنجد لها سجلات حافلة بالتطورات والنجاحات الناجعة عن كفاح طويل النفس. وقد ارتأيت أن أخص مقالي هذا بالحديث عن المرأة المغربية، وعن الدور البارز الذي لعبته في بناء المجتمع إلى جانب أخيها الرجل ذلك البناء الذي يقوم على قواعد متينة، وأول هذه الأدوار، قيامها بتربية الناشئة؛ تلك التربية السليمة المبنية على الأخلاق التي ينص عليها الدين الإسلامي من بر الوالدين واحترام الآخر و.. لأنها غرفت من نبع صافي ومن التعاليم الإسلامية السمحة التي تحث على التربية السليمة للفرد. 

ولكن المرأة ظلت حقوقها مهضومة، ودورها في المجتمع غير بارز رغم كل الخدمات التي كانت تقدمها ما دامت لم تظهر للعيان فهي ظلت لفترة تشتغل في عقر بيتها، وهذا راجع بالأساس إلى نظرة المجتمع إليها وخوفه من ظهورها راجع إلى ثقافة ظلت عالقة بالعقليات منذ عصور غابرة وهذا ما جعلها تعرف التهميش المفجع وسوء النظرة والمعاملة السيئة التي لقيتها من أولائك الذين استوطن الجهل عقولهم! لكن التاريخ يشهد لها بما قدمته للمجتمع المغربي في مجال العلم والثقافة. 

وإذا ما قمنا بنظرة سريعة على تاريخ المرأة المغربية نجدها كانت تلقب في البدايات بالحرة (اﻷصيلة )، وهذه الصفة تدركهن في سن مبكرة؛ وهي السن التي يتم فيها تحميل كامل المسؤولية على عاتق الفتاة بما في ذلك تزويجها، وإن كانت لا تزال قاصرا. المغرب رغم اختلاف لهجته عن باقي الدول العربية، لم تختلف عاداته وتقاليده فيما يخص نظرته الرجعية للمرأة، تلك النظرة التي ظلت لصيقة به كونها عورة يجب سترها ب (الحايك) وهو ـ لباس مغربي تقليدي عبارة عن لحاف سميك تغطى به المرأة من الرأس إلى القدمين ـ وحجبها عن اﻷنظار، ومنعها من الدراسة. 

كان ينظر لها على أنها عبارة عن جسد ملك للرجل منذ اﻷزل، فتراها تلعب دور الزوجة المخلصة، والخادمة الخرساء، وآلة تنفيس الغضب، وأداة الإنجاب وما تنفك تلعب كل هذه اﻷدوار بتفان وإخلاص ترضخ في ذلك للعرف والتقاليد. ولا يحق لها أن تتخلص منها بأية حال من الأحوال، وهذا نتيجة الفهم الخاطئ لأحكام الشرعية وأصول الدين من طرف الرجل كيفما كان ( الأب أو الأخ أو الزوج أو الابن ) الأعراف والتقاليد تورث من جيل إلى آخر دون أن يستطيع الفرد المساس بها أو محاولة تغييرها. 

إن المرأة بهذا المفهوم لا تعدو عن كونها دمية يشتريها الرجل ويضعها في صندوق موصد اﻷبواب ينظر إليها على أنها ناقصة عقل ودين، مسلوبة الحقوق، مكسورة الوتر، ضعيفة الشخصية، صغيرة عن الرجل في كل شيء، ﻻ يحسب لها حساب، وﻻ يجوز اﻷخذ بمشورتها لأنها في النهاية هي آلته المتعددة الوظائف، وقد يصل الأمر ببعضهم أن تأكل وتشرب بإذنه، تنام وتصحو بإذنه، ترتدي ملابس على ذوقه دون نقاش، وربما تعيش وتتنفس بإذنه. كيف ﻻ، والمجتمع يحيط رقبتها منذ نعومة أظافرها بتعليمات عن كيفية خدمة الرجل بتفان مبالغ فيه كما يحيط القلادة على جيدها؟ 

وأية محاولة لخرق شيء من هذا أو الخروج عنه، أو حتى محاولة فرض رأيها، أو طرح فكرة فإنها تسمع ماﻻيسر أذن، وماﻻ يتحمله قلب، وقد يصل الأمر أحيانا إلى وصفها بألقاب خارجة عن اللائق لتصبح عرضة للنظرات الدونية يتحاشاها الصغير والكبير وحتى بنات جنسها ينفرن منها خوفا من مصير كمصيرها أو إلحاق العار بسمعتهن. بقيت المرأة المغربية مبخوسة الحقوق لسنين طويلة دون محاولة لفض قوقعة الجهل القابع بعقول الناس آنذاك، وأي فكرة في المحاولة تجهض قبل الوﻻدة، وأحيانا يصيبها نزيف حاد من التهديدات والسب والشتم والتذليل. 

لكن، مهما طال ظلام الجهل فلا بد لليله أن ينجلي، وﻻبد لشعاع العلم أن يغزو العقول فيضيئها كما تضيء الشمس الدروب، وينفث غبار الأمية من فوق بعض المفاهيم لتتجدد الرؤيا من جديد ولتمتطي المرأة القلم والقرطاس وتمتشق القوة والعزيمة وتشهر سيف العلم في العقول الدغمائية. فتحنث بخطى وئيدة طريقها نحو النور بعد أن اغترفت من العلم الشيء الذي سيمكنها من مجابهة الرجل، وفرض رأيها وطرح أفكارها، والمساهمة في بناء وطنها؛ اجتماعيا واقتصاديا وفكريا وثقافيا وسياسيا... فهي لم تنهل من العلوم قشرتها بل خلبت لبها وامتصته كالرحيق. 

والتاريخ يزخر بأسماء لامعة لنساء كان لهن دور الطليعة، نأخذ على سبيل المثال فاطمة الفهرية خير مثال للمرأة المغربية الواعية والمثقفة، إنها أول من أقدمت على بناء أول جامعة في العالم؛ "جامعة القرويين " أو كما يحب أن يسميها البعض بمسجد القروين وهي أول جامعة في تاريخ البشرية ككل بمدينة فاس، كما تعد أول جامعة في العالم حيث شيدت قبل جامعة اﻷزهر و الجامعة الغربية اﻷنطالية هذه اﻷخيرة سنة191، استقطبت الجامعة طلابها من كافة بلدان العالم ودرّست الدين اﻹسلامي، والنحو، والصرف والتحويل، والآداب ككل إضافة إلى باقي العلوم. 

وكانت فاطمة الفهرية أول من فتحها، ومن أول المصلين بها. اشتهر المغرب بمدينته الغالية والراقية التي بنت تاريخها العريق سيدة قوية اﻹرادة والعزيمة التي دخلت إلى موسوعة اﻷعلام المغربي. لم يقتصر طلب العلم والمعرفة في ديننا على الرجل فحسب ولنا خير إسوة من نساء نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) فهاهي أمنا خديجة رضوان الله عليها اشتغلت بالتجارة والسيدة عائشة رضوان الله عليها كانت تروي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حفظا وروية وشرحا. وعليه فإن عمل المرأة أو اقتران مستواها العلمي بمستوى الرجل لم يعد حاجزا بينه وبينها كذي قبل. 

ختاما يمكنني القول أن كفاح المرأة المغربية في تحرير نفسها من براثين الجهل والأمية، وحجز مكانة لها في المجتمع والتاريخ المغربي والعربي والعالمي على حد سواء، قد أسفر عن نتائج مذهلة من تغيير اﻷفكار الرجعية السائدة عنها وإصلاح المفاهيم الخاطئة. فالمرأة اليوم حققت اكتفاءها الذاتي والاجتماعي ولم تعد نظرة الرجل المغربي لها كسالف العهد بل نجده يقف إلى جانبها ويعمل على تشجيعها ومساندتها في جميع المجالات ومختلف الميادين، لكن مهما وقع من تطور في عقلية الرجل وتقبله لمشاركة المرأة إلى جانبه في العمل وفي الحياة بشكل عام تظل هناك عقليات لا تزال تعيش محاصرة بالعادات والتقاليد.


لبنى العامري