بدل المغرب منذ الاستقلال كسائر دول العالم ومنها الدول الفقيرة مجهودات تنموية كثيرة لمواجهة معضلات التخلف والتبعية،لكنه بعد مرور أكثر من ستة عقود وجد نفسه في مؤخرة الترتيب الدولي في العديد من مؤشرات التنمية،وخاصة الاجتماعية منها . وهذا ما أصبح يستدعي تكثيف هذه الجهود أو مراجعتها،خاصة مع تنامي ظاهرة الاحتجاج التي تعم المدن المهمشة، والتي باتت تهدد الاستقرار الذي يعتبر أهم ثروة يملكها المغرب ويتغنى بها المسؤولون الحكوميون.
وأمام عجز الأحزاب السياسية عن إنتاج برامج انتخابية، قادرة على انجاز إصلاحات هيكلية تمكن الحكومات من تسريع وتيرة التنمية، كان لا بد من إنتاج خطاب إصلاحي مغاير يعترف باستنفاد النموذج التنموي المتبع، ويبعث الأمل في المستقبل،من خلال الدعوة إلى نموذج تنموي جديد.ويكون ذلك على لسان ملك البلاد خلال ترؤسه لافتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثانية، يوم الجمعة 13اكتوبر 2017.
ولم يكن أمام هذه الاحزاب والمسؤولين الحكوميين إلا التعبير عن تأييدهم لهذا النموذج والشروع في التعبئة له رغم أن استراتيجيته لم تحدد بعد،ورغم أن الدعوة الملكية تضع الأحزاب السياسية في موقف غير ذلك الذي يريده الرأي العام الذي ينتظر منها أن تكون هي الحاملة لهذا المشروع .وهي من تكون محط نقد ومسائلة،وتأييد أو معارضة خلال كل مراحل الإعداد والتنفيذ.
النموذج التنموي الجديد الذي دعا إليه الملك، يهدف إلى تحقيق العدالة الاجتماعية،وهي العدالة التي خصصت لها الامم المتحدة يوما عالميا هو 20 فبراير من كل عام، وهي واردة في أجندتها التي اعتمدتها في شتنبر 2015 حول التنمية المستدامة في أفق 2030 . ومعنى ذلك أن انشغال المغرب بالعدالة الاجتماعية يأتي في هذا السياق الدولي الذي يشهد اهتماما متزايدا بالموضوع.
إن هذا السياق، هو الذي دفع مجلس المستشارين إلى تنظيم المنتدى البرلماني الدولي للعدالة الاجتماعية سنويا منذ 2016، أي بعد سنة واحدة من إعلان أجندة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة،وذلك من أجل فتح نقاش بين مختلف الفاعلين في التنمية لتقديم تصوراتهم وتوصياتهم في الموضوع في أفق وضع استراتيجية واضحة من طرف الدولة في الجانب الاجتماعي.
إن تحديد الاستراتيجية ضروري للاستفادة من الدعمالدولي،كما أكدت على ذلك خطة عمل أديس أبابا لتمويل التنمية في يونيو 2015. ولذلك باتت الدول النامية تسابق الزمن من أجل الاسراع بإخراج هذه الاستراتيجية حتى تحضى بالتمويل والاستثمار والمساعدات التي تأتي من الخارج .
والملاحظ أن المغرب دخل السنة الثالثة بعد الاعلان عن الاجندة الاممية دون أن يضع استراتيجيته على خلاف ما هو واقع بدولأخرى ،وهذا سيكون له تأثير في مسار تنفيد مشاريع تحقيق العدالة الاجتماعية.
إن الدعوة إلى نموذج تنموي جديد يمكن اعتباره كشعار لعملية الانخراط في أجندة الامم المتحدة حول التنمية المستدامة، واحتفال مجلس المستشارين باليوم العالمي للعدالة الاجتماعية هو بمثابة اطلاق للانشطة التحضيرية للاستراتيجية الوطنية لتحقيق هذه الاجندة. وهذا ما يعني أن موضوع التنمية ليس شأنا داخليا محظا ولا تصورا وطنيا أصيلا،وأن مسارها يخضع لقرارات وإكراهات خارجية مما يقدم صورة تظهر الطبقة السياسية المغربية عاجزة على اتخاذ المبادرة التي تزلزل أركان التخلف.