حذفُ الفلسفة إعدامٌ للجوهري في الإنسان الفلسفة وطنُ العقل؛ الذي لا وجود للإنسان إلا به، إذا غابت غابت شمسُ الحياة بمعناها الحميمي، وأشرقت البهيمية في أجلى صورها،واختُزل الإنسان في مدوَّنات نفعية صِراعية تعمل على ترحيله من حقله الروحي والجمالي والقيمي الكوني إلى حقل آخر تتغلب فيه الوحشية والأنانية و نزعة ُ نسيان الإنسان من حيث هو أُسُّ الوجود، ومحورُ الكون، ومَجلَى التجلي الإلهي.

وكلما ابتعدنا عن هذا الوطن عششت فينا الأزماتُ، وفرَّخت طيور الظلام،واستوطنتنا عاهات الفكر الماضوي،وركبنا الخوفُ والقلق والرعب، فصرنا نتكلم لغاتها، لا لغةَ المحبة والابتهاج بالحياة. ونكتب بأبجدية ما بعد الإنسان؛ التي ما هي إلا تمثلٌ متطرِّفٌ للطبيعة البشرية،وجموحٌ دامسٌ نحو إلغاء الخصوصيات البشرية،وتخيلٌ لذات منخوبةِ العواطف، ممتزجةٍ مع أعلى التقنيات وأجدِّها، وإشباعٌ لظمإٍ أُنطولوجيٍّ يتوهَّم الخلود.

إن إلغاء الفلسفة في شعب الباكالوريا هو إلغاء للإنسان،وإلغاءٌ لتاريخ عريض من المجد العقلي كٌتب في مختلف العصور والأمكنة؛فيه تتمثل حضارة المعنى الإنساني،وفيه تتجلى عبقرية الإنسان على هذه الأرض من حيث الحفاظ ُعلى الجوهري فيها .فبأي حق تُمنعُ هذه الترِكَة من النور على التلاميذ؟ألا يدفعُهم غيابُ الفلسفة إلى السؤال:هل لنا حقا أجداد في الفكر والعقل؟

لقد انطفأ الإنسان في المجال العربي الإسلامي حين حُجبت عنه الفلسفة،وانكسرَ أُسطرلابُ النقد والحقيقة فيه،فصار جغرافيةً قابلة للاستلاب والاستعمار الإيديولوجي،تُفزِعه الحقيقة،وتُسعِده الخرافة، ويجري في دمه غرينُ الارتياب من كل ما يُعرِّي أوهامه الذاتية.ينمو فيه الإيمان بالتواطؤ مع الأسلحة الفتاكة ومدَنِية التحربؤ على الإيمان بجوهره المنسي.ولذلك تَزلزل يقينُه بمحيطه ووجوده،وتعمق سقوطه في أحضان المتربِّصين به. لا تسقط في التخلف والقابلية للانحطاط بكل معانيه إلا الشعوب التي فقدت بوصلة الفلسفة، وسارت في بهيم الارتياب من قدراتها.ولهذه العلَّة كان القابضون على أزِمَّة الحكم قديما يبذلون أنفسَ وأعزَّ ما كان لديهم من المال والجاه والنفوذ لتوطين الفلسفة في بلدانهم،وتعليةِ شأنها باعتبارها أساسَ المَدَنية والاستقرار. فالفلسفة هي التي تَنفِي ـ بما لا مرية فيه ولا جدال ـ حججَ المستبدِّين ،وحججَ المُطلِّينَ من شقوق الإرهاب،وهي التي لا تحجب الشمسَ عن "ديوجين".الإنسان .

 

أحمد بلحاج آية وارهام