الجل يتحدث هذه الأيام عن الأمازيغية، لغة وأصولا، ودورها في تشكيل الحكومة المقبلة، حتى أن البعض أكد أن محادثات الأحزاب والمكلف بتشكيل الحكومة السيد سعد الدين العثماني تتم بالأمازيغية وبين سياسيين أمازيغ، وعدة محللين اختزلوا المهام السياسية والرهانات الجديدة وممكنات الخروج من حالة البلوكاج وتشكيل الحكومة، سواء بصيغ الهزل أو الجد، في "التحدث بتشلحيت والأمازيغية بشكل عام" بين المتفاوضين، بل أن مقالات وأراء ذهبت إلى أن المرحلة هي مرحلة الأمازيغ، والسوسيون بشكل خاص، وأن مستقبل الحكومة والحياة السياسية الوطنية هو بين أيديهم.

لا شك أن الرهان على الأمازيغية كمقوم أنثربولوجي وثقافي واقتصادي وسيكولوجي للشخصية الفردية والوطنية المغربية، صار أمرا واضحا، يعكس رهانات الدولة الجيو استراتيجية على المستويين القاري والدولي، بما في ذلك توظيف قيم الكفاءة ونكران الذات والمثابرة في العمل والإنتاج والتفكير المقاولتي...، لكن ما ينبغي التأكيد عليه هو أن الاختيار "الوطني الليبرالي" لا يعفي الدولة وكافة مكونات الحياة السياسية والحزبية من إبداء التزامات واضحة اتجاه أمازيغية المغرب وعلى أساس مقتضيات دستور 2011 المعلقة والمجهضة. وهي مقتضيات لا تختزل في كلام رؤساء وأمناء الأحزاب وبعض عبارات التحية خلال الاستقبال وبدأ مشاورات تشكيل الحكومة، ولا في أصولهم وانتماءاتهم الجهوية، ولا حتى في مدى تحدث وتقديم بعضهم لتصريحات أو مواقف عابرة باللغة الأمازيغية وحولها، فهذه كلها أمور إيجابية وتحول شكلي في بروفيل الفاعل السياسي، لكن الأمر يتطلب في القادم من الأيام الانتقال من الحسي والعفوي والتعبير عن النوايا إلى صعيد الفعل والممارسة المسؤولة والملموسة.

فالسادة سعد الدين العثماني وعزيز أخنوش ومحمد ساجد وإدريس لشكر ومحند العنصر وإلياس العماري...، وغيرهم من أعضاء المكاتب السياسية، لا يمكن إلا أن يسروا الأمازيغ الواعون بتاريخ الحكومات وإنتاج النخب وتقلد المناصب ومعادلات الحياة السياسية في المغرب، خاصة عندما يعتزون بأصولهم ولغتهم وثقافتهم الأمازيغية. لكن هم مطالبون أيضا بتأكيد أمازيغيتهم وأمازيغية بلدهم عبر ممارسات وإجراءات تشريعية وتنفيذية ومؤسساتية ملموسة وواضحة، انطلاقا من التفعيل القانوني المنصف لرسمية اللغة الأمازيغية والإقرار بتعدد مكونات الهوية الوطنية وفي صلبها الأمازيغية، وذلك انطلاقا من إبداء أراء سياسية واضحة من مضمون مشروعي القانونين التنظيميين الكارثيين لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وإحداث المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، اللذان صاغتهما حكومة عبد الإله بنكيران السابقة، وضرورة تعديلهما أو إعادة منهجية إعدادهما وصياغتهما، والالتزام بالإسراع بالشروع في تنفيذهما.

أما كلام المشاورات وأصول المتفاوضين وحتى بعض إفاداتهم ونواياهم، ورغم ما تحمله من إشارات إيجابية، فهي أمور خاصة وعابرة لا تقدم الضمانات ولا تحقق الحقوق ولا تضمن التزامات الحكومة والدولة، خاصة أنه كثيرا ما يضحى بها على سندان المصالح الحزبية والفئوية المتقلبة والتوجهات المتصلبة. فالممارسة السياسية والإدارية والمؤسساتية، وعبر كل مداخلها التشريعية والتنفيذية والقضائية، هي وحدها الكفيلة خلال القادم من الأيام بتأكيد أو نفي أمازيغية سي العثماني وحلفائه في الحكومة والتزاماته في هذا الشأن الذي عان –كما تتبع ذلك جيدا- مما يكفي من "التجرجير" السياسي وإحباط الفاعلين والإساءة إلى أمازيغية المغرب ودستور 2011، ومسار المصالحة معها والنهوض بها الموقوف التنفيذ.