بعد الضجيج الإعلامي تفاعلا مع بيان الديوان الملكي القاضي بإعفاء السيد بن كيران من مهمة تشكيل الحكومة، خوضا في دستورية قرار الإعفاء وشكل تصريف القرار ومدى سلامته البروتوكولية، إلى دلالات المسارعة لتعيين السيد سعد الدين العثماني بديلا للأمين العام للحزب قبل انعقاد المجلس الوطني للمصباح، وانتهاء بقرار الحزب بالتفاعل الإيجابي مع بيان الديوان الملكي، انتهى الكلام، ليفتح ملف استئناف مشاورات تشكيل الحكومة مع جميع الأحزاب دون استثناء بقيادة رئيس الحكومة المكلف الثاني السيد سعد الدين العثماني وفق تراتبية نتائج اقتراع 7 أكتوبر.

وقبيل استئناف المشاورات، تطرح تساؤلات عما سيميز الشوط الثاني من مسلسل تشكيل الحكومة، ومعها إمكانية تجاوز ما اعتُبر خطوطا حمراء خلال الجولة السابقة. ترى هل يخرج تشكيل الحكومة عن مكونات الائتلاف السابق؟ وما هي حدود ودرجة هذا الاختلاف؟

في إطار التفاعل على مواقع التواصل الاجتماعي مع موضوع تشكيل الحكومة، يُتداول خيار قد يبدو "متطرفا"، مفاده أن يختصر السيدُ سعد الدين العثماني الطريق ويتحالف رأسا مع الأصالة والمعاصرة، وهو خيار يوفر أغلبية عددية مثالية (230)، قد لا تعوزه الحجج والمبررات، ومنها:

بداية، أي فرقٍ بين حزبي الأصالة والمعاصرة والأحرار، فالأول مؤسسه صديق الملك فؤاد عالي الهمة، والثاني استدعي لزعامته خارج مساطر الحزب صديق آخر للملك. بمعنى أن مسوغات الاشتغال مع "أحرار" أخنوش تبيح الاشتغال مع الأصالة والمعاصرة. أما القول: إن حزب الأصالة والمعاصرة يقوم على مشروع لاستئصال الإسلاميين، كما تردد على لسان قادة الحزب، فلا يعدو أن يكون من باب الأخطاء التكتيكية التي تم التراجع عنها وتهذيبها بكون المقصود هم الفئة المتشددة من الإسلاميين.

إن تحالف العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة سيفيد المشهد السياسي ككل، فبقية الأحزاب تتفرغ للبناء الداخلي وتأهيل هياكلها التنظيمية لاسترجاع مجدها الضائع وتحسين تموقعها في الخريطة الانتخابية، وحزب الأصالة والمعاصرة يلج العمل الميداني لاكتساب الخبرة الميدانية في التدبير، وحزب العدالة والتنمية يسترجع الأنفاس لتجاوز ضغط المرحلة والتكيف مع مقتضيات ما بعد عهد بن كيران، دون أن ننسى أن التحالف فيه نوع من رد الاعتبار لشخص أمينه العام وزعيمه من خلال حشر التحالف الرباعي بقيادة حزب الأحرار في المعارضة جزاء وفاقا لتعنته وعرقلة ولادة الحكومة.

إن تحالف حزبي المصباح والجرار إذا تحقق ينسحب عليه وصف "تحالف الشجعان" على حد توصيف الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات تعليقا على اتفاقية "السلام مقابل الأرض" مع الكيان الإسرائيلي؛ "تحالف شجعان" يتطلب من الطرفين معا وليس من العدالة والتنمية فقط بذل مجهود معتبر لتجاوز عقبات نفسية تنامت وتعقدت بعد مسلسل متبادل من الاستهداف بلغ درجة "الشيطنة" خلال الحملة الانتخابية الأخيرة، فليس من السهل الاقتناع بهذا الخيار قبل الإقناع به. لكنها الميكيافيلية التي لا تعترف بخصومة أو صداقة سياسية دائمة.

وبعيدا عن المزايدات السياسوية، ألا يمثل حزبا العدالة والتنمية والجرار وجهان لعملة النظام؟ أليست الشرعية الوجودية لحزب العدالة والتنمية تتأسس على الدفاع عن هوية النظام الدينية المهددة من قِبل المد الحداثي الذي يحمل حزب الجرار لواءه؟ استماتة على شرعية دينية رأى فيها السيد عبد العزيز أفتاتي نوعا من المغالاة والتعاطي الصوفي. يقول ضمن حوار مع جريدة "اليوم 24" الالكترونية بتاريخ: 2017.3.19، جوابا على سؤال: لماذا لديهم (الجهات العليا) مشكل مع بن كيران؟ "... لا يمكن لأي أحد أن يزايد على الأستاذ بن كيران بالمشروعية والوفاء للمؤسسات... أتصور ـ وهذا بيت القصيد ـ أن إيمانه بالمشروعية والمؤسسات فيه نوع من المغالاة والتعاطي الصوفي، ولهذا لا يمكن أن يزايدوا عليه..."؟ وبالمقابل، يحذر حزب الأصالة والمعاصرة منذ نشأته من خطر مشروع "أخونة الدولة والمجتمع" الذي يهدد المشروع الحداثي الذي يقوده الملك. فظاهر الأمر يشي أن الحزبين متصارعان فلسفة واختيارا، والجوهر يؤكد أنهما خادمان لمشروع نظام يقوم أساسا على مبدأ التوازن بين متناقضات "تزخر" بها الحقول السياسية والدينية والثقافية، إلى درجة استحال معها الواقع المغربي أشبه بـ"قُـفـّة" العطار، حيث الشيء ونقيضه، فالملك بصفته الدينية لا يجد حرجا في تنظيم مهرجان من عيار "موازين" تحت رعايته السامية. فأي ضرر ـ وإذا كان لا بد في التشكيلة الحكومية من حليف ظاهر للقصرـ في التحالف مع مكون واحد قد يُسعف في تعايش خصمين سياسيين ظاهرا حليفيْ درب المنافحة على النظام السياسي القائم؟

استدراك: قبيل الانتهاء من كتابة سطور المقال، تصفحت خبر تأجيل اجتماع كان سيجمع رئيس الحكومة المكلف سعد الدين العثماني مع الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة السيد الياس العماري بسبب أنشطة ملكية في طنجة. وهذا فأل حسن قد يُسهم في التقارب بين الطرفين.