في خطوة غير مسبوقة لتعزيز مبدأ الشفافية والحكم الرشيد في فرنسا، قررت الجمعية الوطنية نشر قائمة النواب الذين يوظفون أحد أفراد عائلاتهم أو أحد المقربين لهم. وتأتي هذه المبادرة بعد القضية التي طالت مرشح اليمين عن حزب “الجمهوريو” للانتخابات الرئاسية، فرانسوا فيون، المتعلقة بالتوظيف الوهمي المحتمل لزوجته بنلوب كمساعدة له عندما كان عضوا في مجلس الشيوخ الفرنسي. كما نتيجة الضغوطات التي تمارسها جمعيات مدافعة عن الشفافية في العمل السياسي ومواطنون وحقوقيون استاءوا من ممارسات الفساد التي طالت العديد من رجال السياسة الفرنسيين في الجمهورية الخامسة.

وكشف التقرير أن من بين 577 نائبا في البرلمان ثمانون منهم يوظفون أحد أفراد عائلتهم مثل النائب ورئيس حزب “الجمهوريون” سابقا، جان فرانسوا كوبيه، الذي يوظف زوجته نادية كمساعدة له أو باتريك دو فجيان الذي يشغل زوجته صوفي كمستشارة.

ولا تقتصر هذه الممارسات على الرجال فقط بل نساء نائبات يوظفن هن الأخريات أزواجهن كمساعدين لهن مثل النائبة مارتين مرتينال من الحزب الاشتراكي أو لور دو لاروديير من حزب “الجمهوريون”.

أما النائب جاك بومبار الذي يمثل منطقة ” فوكلوز” جنوب فرنسا، فهو تجاوز جميع الحدود بتوظيفه اثنين من أبنائه كمساعدين له.

والجدير بالإشارة في هذا الباب إلى أن القانون الفرنسي لا يمنع أن يوظف نائب ما فردا من عائلته لكن بشرط أن تكون الوظيفة حقيقية وليست وهمية. كما يجب التأكيد على أن رواتب الساسة الفرنسيين هي الأكثر شفافية مقارنة بغيرها من الدول الغربية، بحيث يمكن لأي فرنسي الاتصال بمصلحة الضرائب أو المحافظة العقارية للوقوف على حقيقة أجور مسئولي بلاده وممتلكاتهم العقارية، من رئيس الدولة إلى الوزير الأول فالبرلماني وغير هؤلاء من كبار الموظفين. ومن هنا نفهم أن السياسة في الغرب هي مرادفة للمجد والسمعة وليس للمال والثروة على حساب الشعوب المغلوبة.

وفي سياق الزوبعة التي فجرتها قبل سنة المصاريف “المغشوشة” لبعض النواب البريطانيين، قرر ثلاثة نواب عن الحزب الاشتراكي الفرنسي الكشف عن الطريقة التي يتم بها صرف رواتبهم البرلمانية المحددة شهريا في راتب صافي يقدر ب 5838 أورو، تضاف إليه التعويضات “التمثيلية” وأخرى خاصة بفريق المساعدين للنواب بمبلغ (نحو ألفي أورو).

ويكشف النائب الاشتراكي روني دوزيير الذي أعيد انتخابه ثلاث مرات متتالية عن منطقة إيسون (300 كلم شمال غرب باريس)، أنه ينفق 1715 أورو شهريا ثمن كراء المكتب ولوازم  الصيانة، و843 أورو عن مصاريف النقل، و300 أورو عن نفقات المبيت في الفنادق، و250 أورو لشراء الجرائد، و200 أورو عن الكتب ومبلغ مماثل عن اللباس، و740 أورو للوجبات الغذائية… 

ويقول دوزيير إن النائب لم يعد كما كان في الجمهورية الثالثة رجلا منعزلا يشتغل لوحده، بل أصبح اليوم مؤسسة عمومية قائمة الذات بهياكلها ومقرها وفريق المساعدين المأجورين ومعهم فريق المتطوعين من مناضلي الحزب..ويكشف أن الراتب الشهري للنواب (5838) لم يشهد تغيرا منذ 2002 مما يعني أن القدرة الشرائية لهذا المبلغ تدنت بنسبة 7.2 في المئة.

ويعرض النائب الاشتراكي بكثير من التفاصيل طريقة تدبيره سنة 2016 لراتبه الشهري الخاص بالتمثيلية البرلمانية كاشفا أن مقر المكتب بكرائه ولوازمه المختلفة يأخذ منه 1715 أورو بما فيها فواتير الماء والكهرباء والتدفئة والتنظيف ومستلزمات المكتب، وغير ذلك من المصاريف التي يكشف عنها بالسنتيم.

وبخصوص مصاريف النقل يقول دوزيير إن النواب جميعهم يتوفرون على بطاقة للتنقل من المكتب الوطني للسكك الحديدية. “ولهذا أفضل في الغالب اقتناء القطار عند توجهي إلى باريس. ويحدث أحيانا أن أستعمل سيارتي الخاصة التي كلفتني في التنقلات نحو العاصمة حيث مقر البرلمان، 843 أورو سنة 2016. وتقوم الجمعية الوطنية (البرلمان) بتعويض المصاريف الخاصة بالتنقلات داخل باريس في حدود سقف سنوي لا يتعدى 2750 أورو. “وفيما يخصني، أفضل، عوض سيارات الأجرة، اقتناء الميترو أو حافلات النقل العمومي اللهم من استثناءات قليلة كلفت البرلمان 328 أورو بدل 2750 أورو. 

وبما أنه لا يملك منزلا أو إقامة بباريس، فإنه يفضل المكوث بإقامة الجمعية الوطنية وبها 50 غرفة. وعند استحالة الحصول على غرفة بها يختار فندقا بالقرب من الجمعية الوطنية مقابل 30 أورو فقط، والباقي على نفقة الجمعية الوطنية، مما يقلص مصاريف الإقامة إلى 300 أورو شهريا.

وفيما حدد نفقات الوجبات الغذائية في 740 أورو، كشف أن مصاريف اللباس الذي يعد من بين أسس النشاط البرلماني، حيث البذلة الرسمية إجبارية لولوج الجمعية الوطنية، تطلبت منه 200 أورو شهريا بما في ذلك مستلزمات الأناقة الأخرى وأيضا الحلاقة التي حددها صالون الحلاقة الذكورية التابع الجمعية الوطنية في 21 أورو. 

أما المصاريف الخاصة بالتوثيق وشراء الكتب اللازمة لنشاطه البرلماني وخاصة الكتب القانونية والتاريخية، فتستدعي منه 200 أور، تضاف إليها 250 أورو كنفقات عن الجرائد التي تعتبر، برأيه، وسيلة لا غنى عنها للإطلاع والمعرفة، فيما تأخذ منه بطائق التهنئة ما معدله 23 أورو شهريا، والرسائل الخاصة بنشاطه البرلماني وبتدخلاته المختلفة في الجمعية الوطنية والتي يبعث بها بشكل منتظم إلى سكان دائرته، وعددها 35900 رسالة سنة 2016، ما قيمته 350 أورو شهريا. 

ولم يكشف النائب الاشتراكي عن حجم المصاريف الخاصة بالمكالمات الهاتفية على اعتبار أن النواب يتوفرون على سقف مجاني بمبلغ 6610 أورو سنويا. “وقد حرص سنة 2016 على أن يقلص مكالماته إلى 4988 أورو موفرا بذلك للجمعية الوطنية 1622 أورو.

 

  • أحمد الميداوي