شكل اعفاء صاحب الجلالة لعبد الاه بنكيران سابقة في تاريخ السياسة المغربية، بلاغ الديوان الملكي كان واضحا و ارتكز على صلاحيات الملك الدستورية في ضمان السير العادي للمؤسسات و لمصالح الشعب المغربي. تعيين بنكيران رئيسا لحكومة 2011 كان منسجما مع منطوق الدستور في تعيين رئيس الحكومة من الحزب الحاصل على الرتبة الاولى، و تم احترام نفس المبدأ بعد انتخابات السابع من اكتوبر، رغم الجدل الكبير حول شخص ع الالاه بنكيران و اهليته لرئاسة الحكومة، و افتقاد الرجل لروح الانصات و التفاعل الايجابي و الرزين مع مختلف الفرقاء السياسيين و اطياف المجتمع المغربي المتنوعة. خرجات بنكيران و قفشاته، و رغم انها لقيت قبولا من طرف بعض الشرائح الشعبية، الا انها في الواقع بخست من هيبة مؤسسة رئاسة الحكومة و التي هي واجهة من واجهات الدولة المغربية. 
دون جلد للرجل، و دون تحامل او تشفي، يمكن القول ان بنكيران لم يستطع الخروج من جبة امين عام العدالة و التنمية، و التصرف كرئيس حكومة لكل المغاربة، و أن صدامه مع احزاب سياسية بسبب او بدونه، و شخصنته للصراع أو للمحاباة، في ذاتية مفرطة، تفتقد الى الموضوعية و التروي و الرزانة المطلوبين في شخصية سياسية و رجل دولة، هذه الصدامات و التجاذبان و التقاطبات و التباعدات، أثرت على النقاش السياسي في بلدنا بصفة عامة، و أفرغت السياسة من رسالتها النبيلة و المتمثلة في خدمة المصلحة العامة، و نقاش البرامج و المقترحات و التفاعل الايجابي معها أيا كان مصدرها. على مستوى أخر، فان رئيس الحكومة المعزول، و بسبب تعنته و تصلبه في مواقفه و أحكامه، و بممارسته العنف اللفظي و المعنوي مع كل معارض، بسبب أو بدونه، و بتبنيه لغة التصعيد و التهديد و الوعيد، قد اذكى  مناخ التوتر و الاحتقان بينه و بين كل الأحزاب السياسية، ما عدا حزب نبيل بنعبد الله الذي دخل مع بنكيران في تحالف كاثوليكي براكماتي نفعي، ناسخا بذلك تاريخ الحزب الشيوعي و مرجعيته التقدمية و مواقفه، التي كانت دائما تراعي المصلحة العليا للوطن و الشعب، و لم تكن أبدا أسهما يضارب بها في بورصة السياسة الغير النبيلة.
اجراءات ع الالاه بنكيران كانت اجراءات أفقرت فئات واسعة من المغاربة، في مقابل ذلك استفاد المقربون من حزب العدالة و التنمية من صفقات و غنائم و توظيفات و مجموعة اخرى من الامتيازات.
كما سقط بنكيران في فخ التوسط لافراد عائلته ضدا على الوعد الذي قطعه على نفسه امام المغاربة، فهو حرم الالاف من العاطلين حاملي الشواهد من التوظيف المباشر، في حين وظف ابنته بدبلوم لا يتناسب مع المنصب (المتبارى حوله) و تدخل لابنه كأستاذ زائر في الجامعة بدبلوم لا يؤهله لتدريس تلك المادة التي خصصها له أحد اخوانه في الحزب،  دون الحديث عن الاف المناصب التي استفاد منها اتباع الحزب الحاكم في مختلف المؤسسات، في خرق سافر لمبدأ تكافؤ الفرص بين المغاربة، و في عملية اغراق ممنهجة للمؤسسات و لمختلف دواليب الدولة بأتباع العدالة و التنمية.
بنكيران لم يراعي واجب اللياقة مع خصومه السياسيين و تجاوز كثيرا الخطوط الحمراء لمنصب له حدوده، فلقائه الاخير بامير قطر و بقيادات من الاخوان المسلمين في الخارج هو و قياديون في حزبه، لا يمكن الا ان يفسر على أنه ابتزاز للملكة المغربية و للشعب المغربي الذي له تاريخ طويل في رفض الوصاية أو التدخل الخارجي في شؤونه الداخلية، و ربما هذه (الكبيرة) الاخيرة هي التي سرعت بنهاية الرجل السياسية  و دقت اخر مسمار في نعشه.
بنكيران فوت على نفسه أن يكون أول رئيس حكومة يجمع بين ولايتين متتاليتين في تاريخ المغرب، و ترك الكثير من الرواسب التي يجب اصلاحها و تفادي تكرارها.
و في الاخير، لا يمكن لكل مغربي غيور على وطنه الا ان يهنأ صاحب الجلالة على تحمل مسؤوليته الدستورية، بكل رزانة و استحضار للمصلحة العليا للوطن و الشعب. و نتمنى صادقين أن تكون الحكومة المقبلة في مستوى تطلعات المغاربة، و بحجم التحديات الداخلية و الخارجية التي انخرط فيها المغرب و المغاربة وراء ملكهم العظيم.

 

محمد ياوحي، عضو اللجنة المركزية لحزب التقدم و الاشتراكية، عضو المكتب الوطني لقطاع التعليم العالي، مستشار سابق لظى وزير التشغيل، عضو النقابة الوطنية للتعليم العالي، مناضل سابق بصفوف الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، و رئيس لجنة القسم لطلبة الاقتصاد.