مواطنون يقتاتون على بقايا مأكولات يحصلون عليها بين القمامة و آخرون يلقون بوجبات كاملة في حاويات اﻷزبال بعد أن رفضتها قططهم و كلابهم اﻷليفة المدللة.

   مواطنون يبيتون في العراء، يقتسمون الليل و المكان مع الجرذان و الصراصير و القطط و الكلاب الضالة، بينما آخرون يقضون لياليهم على أسرة و زرابي و أفرشة ناعمة من حرير أو صوف أو قطن خالص، داخل غرفهم الواسعة المكيفة.

   مواطنات يقضين يومهمن ب" الموقف "، و " يظلو النهار و ماطال " و هن يتسابقن ويتنافسن من أجل الظفر بعقدة يوم أو بضعة أيام عمل بمنزل أو ضيعة مقابل دريهمات، ﻷزواجهن المرضى أو أبنائهن اليتامى،  بينما أخريات لهن أرصدة مالية في أبناك مختلفة داخل و خارج البلاد، يصرفنها على لباسهن و حليهن و عطورهن و سيارتهن الفاخرة المستوردة من ألمانيا و إيطاليا.

   أسر يدرس أبناؤها في مدارس و  معاهد و كليات خاصة قبل إرسالهم إلى أوربا و كندا و أمريكا لتكوينهم في مجال المال و اﻷعمال وأسر يتكدس أبناؤها ك " السردين " داخل حجرات تفتقد ﻷبسط وسائل التربية و التعليم، قبل أن يغادروها دون إتمام حتى تعليمهم اﻷساسي، للدفع بهم إلى الأنحراف أو لاستغلالهم أبشع استغلال. 

   مواطنات يلدن أطفالهن داخل مصحات تتوفر على كل الكفاءات و التجهيزات و الرعايةالطبية، سواء بالداخل أو الخارج و مواطنات يرى أطفالهن النور و هن في الطريق، على ظهر ذابة، إلى مسلخ عفوا إلى مستوصف في "حالة لا يرثى لها " كما يقول بعض المواطنين البسطاء، أو على متن عربة مجرورة أو جرار، أو " لي عندها الزهر و معاها الله " على سرير متسخ متعفن متآكل، يعود إلى فترة اﻹستعمار، أو مباشرة على اﻷرض، أمام أعين القطط التي تغزوا المسالخ عفوا المستشفيات وهي تتربص بمواليدهن؛ وكأننا في مستشفى قسنطينة الجزائرية. 

   مواطنو الدرجة الثالثة أو الطبقة الكادحة "يبهدلون" داخل المحاكم ويرغمون على توقيع محاضر مزورة قبل أن يزج بهم في السجن ظلما أو بسبب جنح بسيطة و آخرون تبرأ ذممهم و يطلق سراحهم بعد ارتكابهم لﻷبشع الجرائم.

   أسر و عائلات تختبئ و أطفالهن كلاجئين داخل بيوت قصديرية أو منازل قديمة أو مغشوشة البناء قد تسقط " على رؤوسهم " في أية لحظة و آخرون ينعمون في فيلات من عشر غرف و " جردة " ومسبح. 

لماذا كل هذا التمييز بين مواطني الوطن الواحد؟ من المسؤول عن هذه الفوارق الطبقية و اللاعدالة اجتماعية؟

   إنهم الوزراء الذين يتحالفون مع الفساد عوض محاربة الفقر و الهشاشة و تدهور القدرة الشرائية لدى المواطن المسكين الذي سرق حقة و نصيبه من خزينة الدولة ،ثم البرلمانيون الذين أخلفوا العهد و تهاونوا في الدفاع و الترافع عن الفقراء من أبناء الشعب و تفرغوا لمصالحم الشخصية، و رؤساء الأحزاب الذين يتسابقون على احتلال المراتب اﻷولى بين أثرياء العالم، على صفحات مجلة فوربس اﻷمريكية، و هم يتباهون بثرواتهم الهائلة التي حصلوا عليها بطرق مشبوهة ومحرمة  محليا و دوليا كالتهرب الضريبي و الرشوة و المتاجرة في المخذرات و تبييض اﻷموال و تهريبها إلى الخارج... و رجال الدين و الوعاظ و أئمة المساجد الذين يكرسون هذا الميز الطبقي وهم يخاطبون معشر اﻷميين و السذج من المواطنين وإقناعهم بأنها إرادة الله الذي أراد بعامة الناس فقرا في هذه الدنيا كي يغنيهم في اﻵخرة، بينما ليس هناك فرق بين من يغتني بالمتاجرة بالدين و الذي يراكم الثروات بالمتاجرة في " الحشيش و اﻷفيون ". 

   هكذا وجد مجرمو المال العام و تجار المخذرات في فتاوى فقهاء اليوتوب و مواقع التواصل اﻷجتماعي و التلفزات الفضائية و الكتب الصفراء و في صمت منتخبين و سياسيين متواطئين ما يبررون به جشعهم و سرقتهم للمال العام و اغتنائهم اللامشروع على حساب من تم تفقيرهم و اسعبادهم بطريقة ممنهجة.

    إذا استمرت المساجد في التروبج لهذا الخطاب و في التركيز على اﻹسراء و المعراج و ليلة القدر و غزوة بدر و فتح مكة و الخيانة الزوجية و طاعة المرأة لبعلها وقيام الليل والجري وراء الحسنات و ثواب اﻵخرة... و إذا استمر فقهاء اﻷنترنيت في الركض وراء الشهرة و اﻷغتناء باسم الدين، و إذا استمرت صناديق اﻹنتخابات في إفراز برلمانيين لا يتقنون سوى لغة الخشب و التهافت على المال و تعدد الزوجات و الفيلات و السيارات الفارهة و الركض وراء العشيقات؛ عوض التضحية من أجل مجتمع بدون فقراء؛ ينعم فيه اﻷفراد بالمساواة و تكافؤ الفرص، و عوض التصدي بشجاعة و بالملموس للفساد الحقيقي الذي ينخر البلاد، فهنيئا لهم باﻷستثناء المغربي و عليك مني " السلام " يا أرض أجدادي.



يحيى تربي